( لئن بسطت إلي يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك ) قال : المعنى ما أنا بمنتصر لنفسي . وقال ابن عباس عكرمة : المعنى ما كنت لأبتدئك بالقتل . وقال مجاهد والحسن : لم يكن الدفع عن النفس في ذلك الوقت جائزا . وقال عبد الله بن عمرو والجمهور : كان وابن عباس هابيل أشد قوة من قابيل ، ولكنه تحرج من القتل ، وهذا يدل على أن القاتل ليس بكافر وإنما هو عاص ، إذ لو كان كافرا لما تحرج هابيل من قتله ، وإنما استسلم له كما استسلم . وقيل : إنما ترك الدفع عن نفسه لأنه ظهرت له مخيلة انقضاء عمره فبنى عليها ، أو بإخبار أبيه ، وكما جرى عثمان بن عفان لعثمان إذ بشره الرسول بالجنة على بلوى تصيبه ، ورآه في اليوم الذي قتل فيه في النوم وهو يقول : " إنك تفطر الليلة عندنا " فترك الدفع عن نفسه حتى قتل ، . وقيل : إن وقال له رسول الله ، صلى الله عليه وسلم : " ألق على وجهك وكن عبد الله المقتول ولا تكن عبد الله القاتل " هابيل لاحت له أمارات غلبة الظن من قابيل على قتله ، ولكن لم يتحقق ذلك ، فذكر له هذا الكلام قبل الإقدام على القتل ليزدجر عنه وتقبيحا لهذا الفعل ، ولهذا يروى أن قابيل صبر حتى نام هابيل فضرب رأسه بحجر كبير فقتله . وقال : ليس في الآية دليل على أن المقتول علم عزم القاتل على قتله ، ثم ترك الدفع عن نفسه . قال ابن جرير : ( فإن قلت ) : لم جاء الشرط بلفظ الفعل ، والجزاء بلفظ اسم الفاعل ، وهو قوله : الزمخشري لئن بسطت ما أنا بباسط ؟ ( قلت ) : ليفيد أنه لا يفعل ما يكتسب به هذا الوصف الشنيع ، ولذلك أكده بالباء المؤكدة للنفي . انتهى . وأورد أبو عبد الله الرازي هذا السؤال والجواب ولم ينسبه ، وهو كلام فيه انتقاد . وذلك أن قوله : للزمخشري ما أنا بباسط ، ليس جزاء بل هو جواب للقسم المحذوف قبل " اللام " في " لئن " المؤذنة بالقسم والموطئة للجواب ، لا للشرط . وجواب الشرط محذوف لدلالة جواب القسم عليه ، ولو كان جوابا للشرط لكان بالفاء ، فإنه إذا كان جواب الشرط منفيا بـ ( ما ) فلا بد من الفاء كقوله : ( وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات ما كان حجتهم إلا أن قالوا ) ولو كان أيضا جوابا للشرط للزم من ذلك خرم القاعدة النحوية من أنه إذا تقدم القسم على الشرط فالجواب للقسم لا للشرط . وقد خالف كلامه هذا بما ذكره في البقرة في قوله : ( الزمخشري ولئن أتيت الذين أوتوا الكتاب بكل آية ما تبعوا قبلتك ) . فقال : ما تبعوا ، جواب القسم المحذوف سد مسد جواب الشرط [ ص: 463 ] وتكلمنا معه هناك فينظر . ( إني أخاف الله رب العالمين ) هذا ذكر لعلة الامتناع في بسط يده إليه للقتل ، وفيه تنبيه على أن القاتل لا يخاف الله .