( والربانيون والأحبار ) هما بمعنى واحد ، وهم العلماء . قاله الأكثرون ومنهم : ابن قتيبة . وقال والزجاج مجاهد : الربانيون الفقهاء العلماء ، وهم فوق الأحبار . وقال : الربانيون العلماء ، والأحبار الفقهاء . وقال السدي ابن زيد : الربانيون الولاة ، والأحبار العلماء . وقيل : الربانيون علماء النصارى ، والأحبار علماء اليهود ، وقد تقدم شرح الرباني . وقال : والربانيون والأحبار : الزهاد والعلماء من ولد الزمخشري هارون الذين التزموا طريقة النبيين وجانبوا دين اليهود . وقال : المراد هنا بالربانيين والأحبار : الذين يحكمون بالتوراة ، ابنا السدي صوريا كان أحدهما ربانيا ، والآخر حبرا ، وكانا قد أعطيا النبي عهدا أن لا يسألهما عن شيء من أمر التوراة إلا أخبراه به ، فسألهما عن أمر الرجم فأخبراه به على وجهه ، فنزلت الآية مشيرة إليهما . قال ابن عطية : وفي هذا نظر . والرواية الصحيحة أن ابنا صوريا وغيرهم جحدوا أمر الرجم ، وفضحهم فيه ، وإنما اللفظ في كل حبر مستقيم فيما مضى من الزمان ، وأما في مدة عبد الله بن سلام محمد ، صلى الله عليه وسلم ، فلو وجد لأسلم ، فلم يسم حبرا ولا ربانيا . انتهى .
( بما استحفظوا من كتاب الله ) الباء في بما للسبب ، وتتعلق [ ص: 492 ] بقوله : يحكم . واستفعل هنا للطلب ; والمعنى : بسبب ما استحفظوا . والضمير في استحفظوا عائد على النبيين والربانيين والأحبار ; أي : بسبب ما طلب الله منهم حفظهم لكتاب الله وهو التوراة ، وكلفهم حفظها ، وأخذ عهده عليهم في العمل بها والقول بها ، وقد أخذ الله على العلماء حفظ الكتاب من وجهين : أحدهما : حفظه في صدورهم ودرسه بألسنتهم . والثاني : حفظه بالعمل بأحكامه واتباع شرائعه . وهؤلاء ضيعوا ما استحفظوا حتى تبدلت التوراة . وفي بناء الفعل للمفعول وكون الفعل للطلب ما يدل على أنه تعالى لم يتكفل بحفظ التوراة ، بل طلب منهم حفظها وكلفهم بذلك ، فغيروا وبدلوا وخالفوا أحكام الله بخلاف كتابنا ، فإن الله تعالى قد تكفل بحفظه ، فلا يمكن أن يقع فيه تبديل ولا تغيير . قال تعالى : ( إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون ) وقيل : الضمير في ( استحفظوا ) عائد على الربانيين والأحبار فقط . والذين استحفظهم التوراة هم الأنبياء .
( وكانوا عليه شهداء ) الظاهر أن الضمير عائد على كتاب الله ; أي : كانوا عليه رقباء لئلا يبدل . والمعنى يحكم بأحكام التوراة النبيون بين موسى و عيسى ، وكان بينهما ألف نبي للذين هادوا يحملونهم على أحكام التوراة لا يتركونهم أن يعدلوا عنها ، كما فعل رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، من حملهم على حكم الرجم وإرغام أنوفهم ، وإبائهم عليهم ما اشتهوه من الجلد . وقيل : الهاء تعود على الحكم ; أي : وكانوا شهداء على الحكم . وقيل : عائد على الرسول ; أي : وكانوا شهداء على أنه نبي مرسل .