الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                                                                                          وقال تعالى { فإذا أنزلت سورة محكمة } إلى قوله { فلو صدقوا الله لكان خيرا لهم } ؟ قال أبو محمد : وهذا كالذي قبله إما أن يكون هذا النظر يبين معتقدهم وإظهارهم الإسلام توبة تصح به قبولهم على ظاهرهم وإن لم يكن ذلك النظر دليلا يتميزون به فهم كغيرهم ولا فرق .

                                                                                                                                                                                          وقال تعالى { إن الذين ارتدوا على أدبارهم } إلى قوله تعالى { والله يعلم إسرارهم } ؟ قال أبو محمد : هذه صفة مجملة لمن ارتد معلنا أو مسرا ، ولا دليل فيها على أنه [ ص: 148 ] عليه السلام عرف أنهم منافقون مسرون للكفر - وبالله تعالى التوفيق .

                                                                                                                                                                                          قال تعالى { أم حسب الذين في قلوبهم مرض } إلى قوله تعالى { والله يعلم أعمالكم } ؟ قال أبو محمد : قد بين الله تعالى : أنه لو شاء أراهم نبيه - عليه السلام - وهذا لا شك فيه ثم قال تعالى { ولتعرفنهم في لحن القول } فهذا كالنظر المتقدم إن كان لحن القول برهانا يقطع به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على أنهم منافقون ، فإظهارهم خلاف ذلك القول وإعلانهم الإسلام توبة في الظاهر - كما قدمنا - وإن كان عليه السلام لا يقطع بلحن قولهم على ضميرهم ، فإنما هو ظن يعرفه في الأغلب لا يقطع به - وبالله تعالى التوفيق ؟

                                                                                                                                                                                          قال أبو محمد : قد ذكرنا في " براءة ، والفتح قول الله تعالى { سيقول لك المخلفون } الآيات كلها ، وبينا أن الله تعالى وعدهم بقبول التوبة والأجر العظيم إن تابوا وأطاعوا لمن دعاهم بعد النبي عليه السلام إلى الجهاد - وبالله تعالى التوفيق .

                                                                                                                                                                                          وقال تعالى { قالت الأعراب آمنا } إلى قوله تعالى { غفور رحيم } ؟

                                                                                                                                                                                          قال أبو محمد : هذا دليل على أنهم استسلموا لله تعالى غلبة ولم يدخل الإيمان في قلوبهم ، ولكن الله تعالى قد بسط لهم التوبة في الآية نفسها بقوله تعالى { وإن تطيعوا الله ورسوله لا يلتكم من أعمالكم شيئا } فإظهارهم الطاعة لله تعالى ولرسوله - عليه السلام - مدخل لهم في حكم الإسلام ومبطل لأن يكون عليه السلام عرف باطنهم .

                                                                                                                                                                                          وقال تعالى { يوم يقول المنافقون والمنافقات } إلى قوله تعالى { وغرتكم الأماني } .

                                                                                                                                                                                          قال أبو محمد : فهذه حكاية عن يوم القيامة ، وإخبار بأنهم كانوا في الدنيا مع المسلمين ، وهذا يبين أنهم لم يكونوا معروفين عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولا عند المسلمين ، وهذه الآية يوافقها : ما روينا من طريق مسلم بن الحجاج نا زهير بن حرب نا يعقوب بن إبراهيم بن سعد [ ص: 149 ] نا أبي عن ابن شهاب عن عطاء بن يزيد الليثي أن أبا هريرة أخبره أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال في حديث { فيجمع الله الناس يوم القيامة فيقول : من كان يعبد شيئا فليتبعه ؟ فيتبع من يعبد الشمس الشمس ، ويتبع من يعبد القمر القمر ، ويتبع من يعبد الطواغيت الطواغيت ، وتبقى هذه الأمة فيها منافقوها } وذكر الحديث .

                                                                                                                                                                                          وقال تعالى { ألم تر إلى الذين نهوا عن النجوى } إلى قوله تعالى { فبئس المصير } ؟ قال أبو محمد : هؤلاء معروفون بلا شك ، ولكن التوبة لهم مبسوطة كما ذكرنا في سائر الآيات .

                                                                                                                                                                                          وقال تعالى { ألم تر إلى الذين تولوا قوما غضب الله عليهم } إلى قوله تعالى { هم الخاسرون } ؟ قال أبو محمد : وهذه صفة قوم لم يسلموا إلا أنهم يتبرءون من موالاة الكفار ، فإن كانوا معروفين بالكفر فالتوبة لهم مبسوطة ، كما ذكر تعالى في سائر الآيات التي تلونا قبل - وبالله تعالى التوفيق .

                                                                                                                                                                                          وقال تعالى { ألم تر إلى الذين نافقوا } إلى قوله تعالى { بأسهم بينهم شديد } ؟ قال أبو محمد : هذا قد يكون سرا علمه الله منه وفضحه ولم يسم قائله ويمكن أن يكون قد عرف فالتوبة لهم مبسوطة كما ذكرنا في سائر الآيات ، وقال تعالى { إذا جاءك المنافقون } إلى قوله تعالى { ولكن المنافقين لا يعلمون } ؟ قال أبو محمد : هذا نزل في عبد الله بن أبي ، كما روينا من طريق البخاري نا عمرو بن خالد نا زهير بن معاوية نا أبو إسحاق هو السبيعي قال : سمعت زيد بن أرقم قال : { خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في سفر أصاب الناس فيه شدة فقال عبد الله بن أبي : لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا من حوله ، وقال : لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل ؟ فأتيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم فأخبرته ، فأرسل إلى عبد الله بن أبي ، فاجتهد يمينه ما فعل ، فقالوا : كذب [ ص: 150 ] زيد يا رسول الله ، فوقع في نفسي مما قال شدة ، حتى أنزل الله تعالى تصديقي في إذا جاءك المنافقون فدعاهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم ليستغفر لهم ؟ فلووا رءوسهم } .

                                                                                                                                                                                          قال : وقوله { خشب مسندة } كانوا رجالا أجمل شيء : كما روينا من طريق البخاري نا علي بن عبد الله نا سفيان قال عمرو بن دينار : سمعت جابر بن عبد الله يقول : { كنا في غزاة فكسع رجل من المهاجرين رجلا من الأنصار : فقال : دعوها فإنها منتنة ، فسمع ذلك عبد الله بن أبي فقال : فعلوها ، أما والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل ، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقام عمر فقال : يا رسول الله دعني أضرب عنق هذا المنافق ؟ فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : دعه لا يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه } ، فقال سفيان : فحفظته من عمر ، وقال : سمعت جابرا قال : كنا مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم ؟ قال أبو محمد : أما قول الله تعالى { إذا جاءك المنافقون } إلى قوله تعالى { فهم لا يفقهون } فهم قوم كفروا بلا شك بعد إيمانهم ارتدوا بشهادة الله تعالى عليهم بذلك ، إلا أن التوبة لهم بيقين مذكورة في الآية ، وفيما رواه زيد بن أرقم من الحديث الثابت .

                                                                                                                                                                                          أما النص فقوله تعالى { يستغفر لكم رسول الله لووا رءوسهم } .

                                                                                                                                                                                          وأما منع الله تعالى من المغفرة لهم ، فإنما هو بلا شك فيما قالوه من ذلك القول ، لا في مراجعة الإيمان بعد الكفر ، فإن هذا مقبول منهم بلا شك .

                                                                                                                                                                                          برهان ذلك : ما سلف في الآيات التي قدمنا قبل ، وأيضا إطلاقهم فيه نبيه صلى الله عليه وآله وسلم على الاستغفار لهم بقوله { سواء عليهم أستغفرت لهم أم لم تستغفر لهم لن يغفر الله لهم } وهم قد أظهروا الإيمان بلا شك ، والله أعلم بنياتهم . [ ص: 151 ] برهان ذلك : ما قد ذكرناه قبل من شك جابر ، وابن عباس ، وعمر - رضي الله عنهم - في ابن أبي بعينه صاحب هذه القصة .

                                                                                                                                                                                          وكذلك الخبر عن جابر إذ { قال عمر للنبي - عليه السلام - دعني أضرب عنق هذا المنافق - يعني عبد الله بن أبي } فليس في هذا دليل أنه حينئذ منافق ، لكنه قد كان نافق بلا شك وقد قال عمر - رضي الله عنه - مثل هذا في مؤمن برئ من النفاق جملة - وهو حاطب بن بلتعة - وقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم { دعه لا يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه } دليل بين على تحريم دم عبد الله بن أبي ابن سلول بقوله عليه السلام " دعه " وهو - عليه السلام - لا يجوز أن يأمر بأن يدع الناس فرضا واجبا .

                                                                                                                                                                                          وكذلك قوله عليه السلام { لا يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه } بيان جلي بظاهر لفظه ، مقطوع على غيبة بصحة باطن أن عبد الله بن أبي من جملة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بظاهر إسلامه ، وأنه من جملة الصحابة المسلمين الذين لهم حكم الإسلام ، والذين حرم الله تعالى دماءهم إلا بحقها ؟ وبيقين ندري أنه لو حل دم ابن أبي لما حاباه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولو وجب عليه لما ضيعه عليه السلام ؟ ومن ظن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يقتل من وجب عليه القتل من أصحابه فقد كفر ، وحل دمه وماله ، لنسبته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الباطل ، ومخالفة الله تعالى ، والله : لقد قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه الفضلاء المقطوع لهم بالإيمان والجنة ، إذ وجب عليهم القتل ، كماعز ، والغامدية ، والجهينية - رضي الله عنهم فمن الباطل المتيقن ، والضلال البحت ، والفسوق المجرد : بل من الكفر الصريح : أن يعتقد ، أو يظن - من هو مسلم : أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقتل مسلمين فاضلين من أهل الجنة من أصحابه أشنع قتلة بالحجارة ، ويقتل الحارث بن سويد الأنصاري قصاصا بالمجدر بن خيار البلوي بعلمه - عليه السلام - دون أن يعلم ذلك أحد ، والمرأة التي أمر أنيسا برجمها ، إن اعترفت .

                                                                                                                                                                                          وبقطع يد المخزومية - ويقول { لو كانت فاطمة لقطعت يدها } .

                                                                                                                                                                                          [ ص: 152 ] وبقوله عليه السلام { إنما هلكت بنو إسرائيل بأنهم كانوا إذا أصاب الضعيف منهم الحد أقاموه عليه ، وإذا أصابه الشريف تركوه } .

                                                                                                                                                                                          ثم يفعل هو - عليه السلام - ذلك ، ويعطل إقامة الحق الواجب في قتل المرتد على كافر يدري أنه ارتد الآن ، ثم لا يقنع بهذا حتى يصلي عليه ، ويستغفر له - وهو يدري أنه كافر .

                                                                                                                                                                                          وقد تقدم نهي الله تعالى له عن الاستغفار للكفار .

                                                                                                                                                                                          ونحن نشهد بشهادة الله تعالى بأن من دان بهذا واعتقده فإنه كافر ، مشرك ، مرتد ، حلال الدم والمال - نبرأ إلى الله تعالى منه ومن ولايته - من يظن به النفاق بلا خلاف ، فالأمر فيمن دونه بلا شك أخفى - فارتفع الإشكال في هذه الآيات - ولله الحمد .

                                                                                                                                                                                          وصح أن عبد الله بن أبي بعد أن كفر هو ومن ساعده على ذلك أظهروا التوبة والإسلام ، فقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك منهم ، ولم يعلم باطنهم على ما كانوا عليه من الكفر ؟ أم على ما أظهروا من التوبة ؟ ولكن الله تعالى عليم بذلك ، وهو بلا شك المجازي عليه يوم القيامة .

                                                                                                                                                                                          وقال تعالى { يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم } ؟ قال أبو محمد : هذا يخرج على وجهين لا ثالث لهما - : أما من يعلم أنه منافق وكفر فإنه - عليه السلام - يجاهده بعينه بلسانه ، والإغلاظ عليه حتى يتوب - ومن لم يعلمه بعينه جاهده جملة بالصفة ، وذم النفاق ، والدعاء إلى التوبة .

                                                                                                                                                                                          ومن الباطل البحت أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلم أن فلانا بعينه منافق متصل النفاق ثم لا يجاهده ، فيعصي ربه تعالى ، ويخالف أمره - ومن اعتقد هذا فهو كافر ، لأنه نسب الاستهانة بأمر الله تعالى إلى رسوله صلى الله عليه وسلم ، قال أبو محمد : هذا كل ما في القرآن من ذكر المنافقين قد تقصيناه - والحمد لله رب العالمين ، وبقيت آثار نذكرها الآن إن شاء الله تعالى : [ ص: 153 ] روينا من طريق البخاري نا سعيد بن عفير ني الليث هو ابن سعد - نا عقيل عن ابن شهاب أخبرني محمود بن ربيع الأنصاري أن { عتبان بن مالك - ممن شهد بدرا - قال في حديث فغدا علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر حين ارتفع النهار ، قال : وحبسناه على خزيرة صنعناها له ، قال : فثاب في البيت رجال ذوو عدد ، فاجتمعوا ، فقال قائل منهم : أين مالك بن الدخشن - أو ابن دخشن - فقال بعضهم : ذلك منافق لا يحب الله ورسوله ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تقل ذلك ، ألا تراه قد قال : لا إله إلا الله يريد بذلك وجه الله قال : الله ورسوله أعلم ، فإنا نرى وجهه ونصيحته إلى المنافقين فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فإن الله قد حرم على النار من قال : لا إله إلا الله يبتغي بها وجه الله تعالى } حدثنا عبد الله بن ربيع نا بن إسحاق بن السليم نا ابن الأعرابي نا أبو داود نا عبد الله بن مسرة نا معاذ بن هشام الدستوائي نا أبي عن قتادة عن عبيد الله بن بريدة عن أبيه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم { لا تقولوا للمنافق : سيدا ، فإنه إن يك سيدا فقد أسخطتم ربكم } .

                                                                                                                                                                                          ومن طريق مسلم نا زهير بن حرب نا جرير - هو ابن عبد الحميد - عن منصور بن المعتمر عن أبي وائل عن ابن مسعود قال : { لما كان يوم حنين آثر رسول الله صلى الله عليه وسلم ناسا في القسمة ، فأعطى الأقرع بن حابس مائة من الإبل ، وأعطى عيينة بن حصن مثل ذلك ، وأعطى ناسا من أشراف العرب وآثرهم يومئذ في القسمة ، فقال رجل : والله إن هذه لقسمة ما يعدل فيها ، ما أريد بها وجه الله ، قال فقلت : والله لأخبرن به رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : فأتيته فأخبرته بما قال ، فتغير وجه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى كان كالصرف ثم قال من يعدل إذا لم يعدل الله ورسوله ، يرحم الله موسى لقد أوذي بأكثر من هذا فصبر } .

                                                                                                                                                                                          قال ابن مسعود : قلت : لا جرم ، لا أرفع إليه بعدها حديثا .

                                                                                                                                                                                          ومن طريق مسلم نا محمد بن المثنى ، ومحمد بن رمح قال محمد بن رمح بن المهاجر [ ص: 154 ] أنا الليث بن سعد عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن أبي الزبير عن جابر ، وقال ابن المثنى : نا عبد الوهاب عن عبد الحميد الثقفي قال : سمعت يحيى بن سعيد الأنصاري يقول : أنا أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله قال : { أتى رجل بالجعرانة منصرفه من حنين وفي ثوب بلال فضة - ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقبض منها يعطي الناس فقال : يا محمد اعدل ؟ قال ويلك ومن يعدل إذا لم أكن أعدل ؟ فقال عمر بن الخطاب : دعني يا رسول الله فأقتل هذا المنافق ؟ فقال : معاذ الله أن يتحدث الناس أني أقتل أصحابي ، إن هذا وأصحابه يقرءون القرآن لا يجاوز حناجرهم يمرقون منه كما يمرق السهم من الرمية } .

                                                                                                                                                                                          ومن طريق البخاري نا محمد أنا مخلد بن يزيد أخبرنا ابن جريج أخبرني عمرو بن دينار أنه سمع جابر بن عبد الله يقول : { غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقد ثاب معه ناس من المهاجرين حتى كثروا ، وكان من المهاجرين رجل لعاب فكسع أنصاريا فغضبت الأنصار غضبا شديدا حتى تداعوا ، فقال الأنصاري : يا للأنصار ؟ وقال المهاجري : يا للمهاجرين ؟ فخرج النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال : ما بال دعوى الجاهلية ما شأنهم ؟ فأخبر بكسعة المهاجري الأنصاري ، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم دعوها فإنها خبيثة ؟ فقال عبد الله بن أبي ابن سلول : قد تداعوا علينا لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل ، فقال عمر بن الخطاب : ألا تقتل يا نبي الله هذا الخبيث ؟ - لعبد الله بن أبي - فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : لا يتحدث الناس : أن محمدا يقتل أصحابه } .

                                                                                                                                                                                          ومن طريق مسلم نا قتيبة بن سعيد نا عبد الواحد - هو ابن زياد - عن عمارة بن القعقاع عن عبد الرحمن بن أبي نعم قال : سمعت أبا سعيد الخدري يقول { بعث علي بن أبي طالب إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من اليمن بذهيبة في أديم مقروظ لم تخلص من ترابها ، فقسمها بين أربعة نفر : عيينة بن بدر ، والأقرع بن حابس ، وزيد الخيل - وشك في الرابع - فقال رجل من أصحابه : كنا نحن أحق بها من هؤلاء ، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال : ألا تأمنوني وأنا أمين في [ ص: 155 ] السماء ، يأتيني خبر السماء صباحا ومساء ، فقام رجل غائر العينين ، مشرف الوجنتين ، ناشز الجبهة ، كث اللحية ، محلوق الرأس ، مشمر الإزار ، فقال : يا رسول الله اتق الله . فقال : ويلك ، أولست أحق أهل الأرض أن يتقي الله ؟ ثم ولى الرجل ، فقال خالد بن الوليد : يا رسول الله ألا أضرب عنقه ؟ فقال : لعله أن يكون يصلي . قال خالد : وكم من مصل يقول بلسانه ما ليس في قلبه ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : إني لم أؤمر أن أنقب عن قلوب الناس ، ولا أشق بطونهم ، إنه يخرج من ضئضئ هذا قوم يتلون كتاب الله رطبا ، لا يجاوز حناجرهم ، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية } .

                                                                                                                                                                                          حدثنا محمد بن سعيد بن نبات نا أحمد بن عون الله نا قاسم بن أصبغ نا محمد بن عبد السلام الخشني نا محمد بن بشار نا محمد بن جعفر نا شعبة : قال : سمعت قتادة يحدث عن أبي نضرة { عن قيس بن عباد قلت لعمار : أرأيت قتالكم هذا ؟ أرأي رأيتموه ، فإن الرأي يخطئ ويصيب ؟ أوعهد إليكم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ؟ فقال : ما عهد إلينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم شيئا لم يعهده إلى الناس كافة ، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، أحسبه قال : حدثني حذيفة : أنه قال : في أمتي اثنا عشر منافقا لا يدخلون الجنة ولا يجدون ريحها حتى يلج الجمل في سم الخياط ، ثمانية منهم يكفيهم الرسلة ، سراج من النار يظهر بين أكتافهم حتى ينجم من ظهورهم } .

                                                                                                                                                                                          حدثنا محمد بن سعيد بن نبات نا أحمد بن عبد البصير نا قاسم بن أصبغ نا محمد بن عبد السلام الخشني نا محمد بن المثنى نا أبو أحمد - هو الزبيري - نا سفيان الثوري عن سلمة بن كهيل عن عياض بن عياض أبيه عن ابن مسعود قال { خطبنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فذكر في خطبته ما شاء الله تعالى ، ثم قال : إن منكم منافقين فمن سميت فليقم ؟ ثم قال : قم يا فلان ، قم يا فلان ، قم يا فلان - حتى عد ستة وثلاثين - ثم قال : إن منكم وإن فيكم ، فسلوا الله العافية ؟ فمر عمر برجل مقنع قد كان بينه وبينه معرفة ، قال : ما شأنك ؟ فأخبره بما قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال له عمر : تبا لك سائر اليوم } . [ ص: 156 ]

                                                                                                                                                                                          ومن طريق مسلم نا الحسن بن علي الحلواني نا ابن أبي مريم أنا محمد بن جعفر أخبرني زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري : { أن رجلا من المنافقين في عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان إذا خرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تخلفوا عنه وفرحوا بمقعدهم خلاف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فإذا قدم النبي - عليه السلام - اعتذروا إليه وحلفوا وأحبوا أن يحمدوا بما لم يفعلوا ، فلا تحسبنهم بمفازة من العذاب } .

                                                                                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                                                                                          الخدمات العلمية