الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                                                                                          ومن طريق مسلم نا زهير بن حرب أنا أحمد الكوفي نا الوليد بن جميع نا أبو الطفيل قال : { كان بين رجل من أهل العقبة وبين حذيفة ما يكون بين الناس فقال : أنشدك الله ، كم كان أصحاب العقبة ؟ فقال له القوم : أخبره إذ سألك ؟ قال - يعني حذيفة - : كنا نخبر أنهم أربعة عشر ، فإن كنت فيهم فقد كان القوم خمسة عشر ، وأشهد بالله أن اثني عشر منهم حزب لله ولرسوله ، ويوم يقوم الأشهاد ، وعذر ثلاثة ، وعذر ثلاثة ؟ قالوا : ما سمعنا منادي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولا علمنا بما أراد القوم ؟ } قال أبو محمد : ليست هذه العقبة الفاضلة المحمودة قبل الهجرة ، تلك كانت للأنصار خالصة شهدها منهم - رضي الله عنهم - سبعون رجلا وثلاث نسوة ، ولم يشهدها أحد من غيرهم إلا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وحده ، والعباس عمه ، وهو غير مسلم يومئذ ، لكنه شفقة على ابن أخيه .

                                                                                                                                                                                          ومن طريق مسلم نا أبو كريب جعفر بن غياث عن الأعمش عن أبي سفيان عن جابر : { أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قدم من سفر ، فلما كان قرب المدينة هاجت ريح تكاد أن تدفن الراكب ، فزعم أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال : بعثت هذه الريح لموت منافق ، وقدم المدينة ، فإذا عظيم من المنافقين قد مات ؟ } قال أبو محمد : وأحاديث موقوفة على حذيفة فيها : أنه كان يدري المنافقين ، وأن عمر سأله : أهو منهم ؟ قال : لا ، ولا أخبر أحدا بعدك بمثل هذا ، وأن عمر كان ينظر إليه فإذا حضر حذيفة جنازة حضرها عمر ، وإن لم يحضرها حذيفة لم يحضرها عمر ، وفي بعضها منهم : شيخ لو ذاق الماء ما وجد له طعما : كلها غير مسندة .

                                                                                                                                                                                          [ ص: 157 ] وعن حذيفة قال : مات رجل من المنافقين فلم أذهب إلى الجنازة فقال : هو منهم ، فقال له عمر : أنا منهم ؟ قال : لا .

                                                                                                                                                                                          وعن محمد بن إسحاق ثني { عاصم بن عمر بن قتادة بن النعمان الظفري ، قال : قلت لمحمود بن لبيد : هل كان الناس يعرفون النفاق فيهم ؟ قال : نعم ، والله إن كان الرجل ليعرفه من أخيه ، ومن أبيه ، ومن بني عمه ، ومن عشيرته ، ثم يلبس بعضهم بعضا على ذلك - قال محمود : لقد أخبرني رجل من قومي عن رجل من المنافقين معروف نفاقه كان يسير مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حيث سار ، فلما كان من أمر الحجر ما كان ، ودعا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حين دعا فأرسل الله السحابة فأمطرت حتى ارتوى الناس ، أقبلنا عليه نقول : ويحك أبعد هذا شيء ؟ قال : سحابة مارة ، ثم إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سار حتى كان ببعض الطريق ضلت ناقته ، فخرج أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في طلبها ، وعند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رجل من أصحابه يقال له : عمارة بن حزم ، وكان عقبيا بدريا - وهو من بني عمرو بن مخزوم - وكان في رحل يزيد بن نصيب القينقاعي وكان منافقا ، فقال يزيد - وهو في رحل عمارة - وعمارة عند النبي عليه السلام : أليس محمد يزعم أنه نبي ويخبركم عن خبر السماء ، ولا يدري أين ناقته ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعمارة عنده : إن رجلا قال : هذا محمد يخبركم أنه نبي ويزعم أنه يخبركم بخبر السماء - هو لا يدري أين ناقته - وإني والله ما أعلم إلا ما علمني الله ، وقد دلني عليها - وهي في هذا الوادي من شعب كذا وكذا - وقد حبستها شجرة بزمامها ، فانطلقوا حتى تأتوني بها ؟ فذهبوا فجاءوا بها ، فرجع عمارة بن حزم إلى رحله ، فقال : والله لأعجب شيء حدثناه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم آنفا عن مقالة قائل أخبره الله عنه كذا وكذا - للذي قال يزيد بن نصيب فقال رجل ممن كان في رحل عمارة ولم يحضر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : يزيد ، والله قال هذه المقالة قبل أن تأتي ؟ فأقبل عمارة على يزيد يجأ في عنقه ويقول : يا آل عباد الله ، إن في رحلي الراهبة ، وما أشعر ، اخرج ، أي عدو الله من رحلي فلا تصحبني } ؟ وعن زيد بن وهب قال : كنا عند حذيفة - وهو من طريق البخاري - فقال حذيفة : ما بقي من أصحاب هذه الآية إلا ثلاثة ، يعني قوله تعالى { فقاتلوا أئمة الكفر } إلى قوله { ينتهون } قال حذيفة : ولا بقي من المنافقين إلا أربعة ، فقال [ ص: 158 ] له أعرابي : إنكم أصحاب محمد تخبروننا بما لا ندري ، فما هؤلاء الذين ينقرون بيوتنا ، ويسرقون أعلافنا ؟ قال : أولئك الفساق ، أجل ، لم يبق منهم إلا أربعة : شيخ كبير لو شرب الماء وجد له بردا ؟ قال أبو محمد : هذا كل ما حضرنا ذكره من الأخبار ، وليس في شيء منها حجة أصلا .

                                                                                                                                                                                          أما حديث مالك بن الدخشن فصحيح وهو أعظم حجة عليهم ، لأن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أخبر بأن شهادة التوحيد تمنع صاحبها وهكذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { نهينا عن قتال المصلون } .

                                                                                                                                                                                          وأما حديث بريدة الأسلمي { لا تقولوا للمنافق سيدا } فإن هذا عموما لجميع الأمة ، ولا يخفى هذا على أحد - وإذ الأمر كذلك فإذا عرفنا المنافق ونهينا أن نسميه " سيدا " فليس منافقا بل مجاهرا ، وإذا عرفنا من المنافق ؟ ونحن لا نعلم الغيب ؟ ولا ما في ضميره فهو معلن لا مسر .

                                                                                                                                                                                          وقد يكون هذا الحديث أيضا على وجه آخر - وهو أن النبي - عليه السلام - قد صح عنه أن خصالا من كن فيه كان منافقا خالصا وقد ذكرناها قبل .

                                                                                                                                                                                          وليس هذا نفاق الكفر ، لكنه منافق لإظهاره خلاف ما يضمره في هذه الخلال المذكورة في كذبه ، وغدره ، وفجوره ، وإخلافه ، وخيانته - ومن هذه صفاته فلا يجوز أن يسمى سيدا ، ومن سماه سيدا فقد أسخط الله تعالى بإخبار رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بذلك .

                                                                                                                                                                                          وأما حديث ابن مسعود - فإن القائل أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لم يعدل ، ولا أراد وجه الله تعالى فيما عمل فهو كافر معلن بلا شك .

                                                                                                                                                                                          وكذلك القائل في حديث جابر إذ استأذن عمر في قتله إذ قال : اعدل يا رسول الله ؟ فنهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عمر عن ذلك ، وأخبر بأنه لا يقتل أصحابه .

                                                                                                                                                                                          [ ص: 159 ] وكذلك أيضا استئذان عمر في قتل عبد الله بن أبي أن هؤلاء صاروا بإظهارهم الإسلام بعد أن قالوا ما قالوا : حرمت دماؤهم وصاروا بذلك جملة أصحابه عليه السلام .

                                                                                                                                                                                          قال أبو محمد : فهذا ما احتج به من رأى أن المرتد لا يقتل أصلا ، لأن هؤلاء مرتدون بلا شك ، ولم يقتلهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وقد قتل أصحابه الفضلاء ، كماعز ، والغامدية ، والجهينية ، إذ وجب القتل عليهم ، ولو كان القتل على هؤلاء المرتدين لما ضيع ذلك أصلا ؟ قال أبو محمد : فنقول - وبالله تعالى التوفيق - إنه لا خلاف بين أحد من الأمة في أنه لا يحل لمسلم أن يسمي كافرا معلنا بأنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، ولا أنه من أصحاب النبي عليه السلام ، وهو عليه السلام قد أثنى على أصحابه .

                                                                                                                                                                                          فصح أنهم أظهروا الإسلام ، فحرمت بذلك دماؤهم في ظاهر الأمر ، وباطنهم إلى الله تعالى في صدق أو كذب ، فإن كانوا صادقين في توبتهم فهم أصحابه حقا عند الناس ظاهرهم ، وعند الله تعالى باطنهم وظاهرهم ، فهم الذين أخبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنهم لو أنفق أحدنا مثل أحد ذهبا ما بلغ نصيف مد أحدهم ، وإن كانوا كاذبين ، فهم في الظاهر مسلمون ، وعند الله تعالى كفار .

                                                                                                                                                                                          وهكذا القول في حديث أبي سعيد الذي قد ذكرناه إذ استأذنه خالد في قتل الرجل فقال : لا ، لعله أن يكون يصلي ، فقد صح نهي النبي عليه السلام لخالد عن قتله ، ولو حل قتله لما نهاه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن ذلك ، وأخبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالسبب المانع من قتله - وهو أنه لعله يصلي - فقال له خالد : رب مصل يقول بلسانه ما ليس في قلبه ، فأخبره : أنه لم يبعث ليشق عن قلوب الناس فإنما عليه الظاهر - وأخبرنا - عليه السلام - أنه لا يدري ما في قلوبهم ، وأن ظاهرهم مانع من قتلهم أصلا .

                                                                                                                                                                                          وقد جاء هذا الخبر من طريق لا تصح ، وفيه : { أنه - عليه السلام - أمر أبا بكر ، وعمر ، بقتله ، فوجده يركع ، ووجده الآخر يسجد فتركاه ، وأمر عليا بقتله فمضى فلم [ ص: 160 ] يجده ، وأنه عليه السلام قال : لو قتل لم يختلف من أمتي اثنان } وهذا لا يصح أصلا ، ولا وجه للاشتغال به .

                                                                                                                                                                                          وأما حديث عمار { في أمتي اثنا عشر منافقا } فليس فيه : أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عرفهم بأعيانهم وهو إخبار بصفة عن عدد فقط ليس فيهم بيان أنهم عرفوا بأسمائهم فسقط التعلق بهذا الخبر - وبالله تعالى التوفيق .

                                                                                                                                                                                          وأما حديث ابن مسعود فإنه لا يصح فإننا قد رويناه من طريق قاسم بن أصبغ نا أحمد بن زهير بن حرب نا أبو نعيم عن سفيان الثوري عن سلمة بن كهيل عن رجل عن أبيه عن ابن مسعود ، فذكر هذا الحديث .

                                                                                                                                                                                          وقال سفيان عن هذا الرجل الذي لم يسم عن أبيه : أراه عياض بن عياض ، فقد أخبر أبو نعيم عن سفيان : أنه مشكوك فيه .

                                                                                                                                                                                          ثم لو صح لما كانت لهم فيه حجة ، لأنهم قد انكشفوا واشتهر أمرهم ، فليسوا منافقين ، بل هم مجاهرون فلا بد من أحد أمرين لا ثالث لهما : إما أن يكونوا تابوا فحقنت دماؤهم بذلك ، وإما أنهم لم يتوبوا فهو مما تعلق به من لا يرى قتل المرتد على ما ذكرنا .

                                                                                                                                                                                          وأما حديث أبي سعيد فإنما فيه أنهم ليسوا مأمونين من العذاب وهذا ما لا شك فيه ليس فيه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عرف كفرهم .

                                                                                                                                                                                          وأما حديث حذيفة فساقط ، لأنه من طريق الوليد بن جميع - وهو هالك - ولا نراه يعلم من وضع الحديث فإنه قد روى أخبارا فيها أن أبا بكر ، وعمر ، وعثمان ، وطلحة ، وسعد بن أبي وقاص - رضي الله عنهم - أرادوا قتل النبي صلى الله عليه وآله وسلم وإلقاءه من العقبة في تبوك - وهذا هو الكذب الموضوع الذي يطعن الله تعالى واضعه - فسقط التعلق به - والحمد لله رب العالمين .

                                                                                                                                                                                          وأما حديث جابر فراويه أبو سفيان طلحة بن نافع وهو ضعيف ، ثم لو صح لما كانت فيه حجة ، لأنه ليس فيه إلا هبوب الريح لموت عظيم من عظماء المنافقين ، فإنما في هذا انكشاف أمره بعد موته فلم يوقن قط ، بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم علم نفاقه في حياته ، فلا يجوز أن يقطع بالظن على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم - وأما [ ص: 161 ] الموقوفة على حذيفة - فلا تصح ولو صحت لكانت بلا شك على ما بينا من أنهم صح نفاقهم وعاذوا بالتوبة ، ولم يقطع حذيفة ولا غيره على باطن أمرهم ، فتورع عن الصلاة عليهم .

                                                                                                                                                                                          وفي بعضها أن عمر سأله : أنا منهم ؟ فقال له : لا ، ولا أخبر أحدا غيرك بعدك - وهذا باطل كما ترى ، لأن من الكذب المحض أن يكون عمر يشك في معتقد نفسه حتى لا يدري أمنافق هو أم لا ؟ وكذلك أيضا لم يختلف اثنان من أهل الإسلام في أن جميع المهاجرين قبل فتح مكة لم يكن فيهم منافق ، إنما كان النفاق في قوم من الأوس والخزرج فقط - فظهر بطلان هذا الخبر .

                                                                                                                                                                                          وأما حديث محمود بن لبيد فمنقطع ، ومع هذا فإنما فيه : أنهم كانوا يعرفون المنافقين منهم ، وإذ الأمر كذلك فليس هذا نفاقا بل هو كفر مشهور ، وردة ظاهرة - هذا حجة لمن رأى أنه لا يقتل المرتد .

                                                                                                                                                                                          وأما حديث حذيفة " لم يبق من أصحاب هذه الآية إلا ثلاثة " فصحيح لا حجة لهم فيه ، لأن في نص الآية أن يقاتلوا حتى ينتهوا ، فبيقين ندري أنهم لو لم ينتهوا لما ترك قتالهم كما أمر الله تعالى .

                                                                                                                                                                                          وكذلك أيضا قوله " أنه لم يبق من المنافقين إلا أربعة " فلا شك عند أحد من الناس أن أولئك الأربعة كانوا يظهرون الإسلام ، وأنه لا يعلم غيب القلوب إلا الله تعالى ، فهم ممن أظهر التوبة بيقين لا شك فيه ، ثم الله تعالى أعلم بما في نفوسهم ؟ قال أبو محمد : ويبين هذا ما رويناه من طريق البخاري نا عمر بن حفص بن غياث نا أبي نا الأعمش ني إبراهيم النخعي عن الأسود قال : كنا في حلقة عبد الله بن مسعود فجاء حذيفة حتى قام علينا فسلم ، ثم قال : لقد أنزل النفاق على قوم خير منكم ، قال الأسود : سبحان الله ، إن الله تعالى يقول { إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار } فتبسم عبد الله بن مسعود ، وجلس حذيفة في ناحية المسجد ، فقام عبد الله فتفرق الصحابة ، فرماني حذيفة بالحصى فأتيته ، فقال حذيفة : عجبت من ضحكه وقد علم ما قلت " لقد أنزل الله النفاق على قوم كانوا خيرا منكم ثم تابوا فتاب الله عليهم . [ ص: 162 ]

                                                                                                                                                                                          روينا من طريق البخاري نا آدم بن أبي إياس نا شعبة عن واصل الأحدب عن أبي وائل شقيق بن سلمة عن حذيفة بن اليمان قال : إن المنافقين اليوم شر منهم على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا حينئذ يسرون واليوم يجهرون ؟ قال أبو محمد : فهذان أثران في غاية الصحة ، في أحدهما بيان أن المنافقين على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يسرون ، وفي الثاني أنهم تابوا - فبطل تعلق من تعلق بكل آية وكل خبر ورد في المنافقين .

                                                                                                                                                                                          وصح أنهم قسمان : إما قسم لم يعلم باطن أمره ، فهذا لا حكم له في الآخرة ، وقسم علم باطن أمره وانكشف فعاذ بالتوبة .

                                                                                                                                                                                          قالوا : إن الذي جور رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال : إنه لم يعدل ، ولا أراد بقسمته وجه الله مرتد لا شك فيه ، منكشف الأمر ، وليس في شيء من الأخبار أنه تاب من ذلك ، ولا أنه قتل ، بل فيها النهي عن قتله ؟ قلنا : أما هذا فحق ، كما قلتم ، لكن الجواب في هذا أن الله - تعالى - لم يكن أمر بعد بقتل من ارتد ، فلذلك لم يقتله رسول الله صلى الله عليه وسلم ولذلك نهى عن قتله ، ثم أمره الله تعالى بعد ذلك بقتل من ارتد عن دينه فنسخ تحريم قتلهم .

                                                                                                                                                                                          برهان ذلك - ما رويناه من طريق مسلم نا هناد بن السري نا أبو الأحوص عن سعيد بن مسروق عن عبد الرحمن بن أبي نعيم عن أبي سعيد الخدري قال { بعث علي - وهو باليمن - بذهيبة في تربتها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقسمها رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أربعة نفر : الأقرع بن حابس الحنظلي ، وعيينة بن بدر الفزاري ، وعلقمة بن علاثة العامري ، وزيد الخير الطائي أحد بني نبهان - فذكر الحديث ، وفيه : فجاء رجل كث اللحية مشرف الوجنتين غائر العينين ناتئ الجبين محلوق الرأس فقال : اتق الله يا محمد ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم فمن يطع الله إن عصيته ؟ أيأمنني على أهل الأرض ، ولا تأمنوني ، فاستأذن رجل في قتله - يرون أنه خالد بن الوليد - فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن من ضئضئ هذا قوما يقرءون القرآن لا يجاوز حناجرهم يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد } .

                                                                                                                                                                                          [ ص: 163 ] حدثنا هشام بن سعيد أنا عبد الجبار بن أحمد نا الحسن بن الحسين البجيرمي نا جعفر بن محمد نا يونس بن حبيب نا أبو داود الطيالسي نا سلام بن سليمان - هو أبو الأحوص - عن سعيد بن مسروق عن عبد الرحمن بن أبي نعيم عن أبي سعيد الخدري { أن عليا بعث إلى النبي صلى الله عليه وسلم بذهيبة في تربتها فقسمها النبي صلى الله عليه وآله وسلم بين أربعة نفر ، بين : عيينة بن حصن بن بدر الفزاري ، وعلقمة بن علاثة الكلابي والأقرع بن حابس التميمي ، وزيد الخير الطائي ، فغضبت قريش والأنصار ، وقالوا : يعطي صناديد أهل نجد ويدعنا ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : إنما أعطيتهم أتألفهم ، فقام رجل غائر العينين ، محلوق الرأس مشرف الوجنتين ، ناتئ الجبين ، فقال : اتق الله يا محمد ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فمن يطيع الله إن عصيته أنا ؟ أيأمنني على أهل الأرض ولا تأمنوني ؟ فاستأذن عمر في قتله ، فأبى ، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يخرج من ضئضئ هذا قوم يقرءون القرآن لا يجاوز حناجرهم ، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية ، يقتلون أهل الإسلام ، ويدعون أهل الأوثان ، والله لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد } .

                                                                                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                                                                                          الخدمات العلمية