الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                                                                                          [ ص: 224 ] مسألة : قذف المؤمنات من الكبائر ، وتعرض المرء لسب أبويه من الكبائر ؟ قال أبو محمد رحمه الله : قال الله تعالى { إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم } الآية .

                                                                                                                                                                                          وقال تعالى { والذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش } الآية .

                                                                                                                                                                                          وكما روينا من طريق مسلم ني هارون بن سعيد الأيلي نا ابن وهب أخبرني سليمان بن بلال عن ثور بن يزيد عن أبي الغيث عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { اجتنبوا السبع الموبقات قيل : يا رسول الله وما هن ؟ قال : الشرك بالله ، والسحر ، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق ، وأكل مال اليتيم ، وأكل الربا ، والتولي يوم الزحف ، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات } .

                                                                                                                                                                                          وقال الله تعالى : { إن الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات لعنوا في الدنيا والآخرة } الآية .

                                                                                                                                                                                          قال أبو محمد رحمه الله : فصح أن قذف المؤمنات المحصنات البريئات من الكبائر الموجبة للعنة في الدنيا والآخرة ، والعذاب العظيم في الآخرة ، ودخل فيها قذف الأمة والحرة دخولا مستويا ، لأن الله تعالى لم يخص مؤمنة من مؤمنة .

                                                                                                                                                                                          وبقي قذف الكافرة فوجدنا الله تعالى قال { والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة } الآية - فهذا عموم تدخل فيه الكافرة والمؤمنة ، فوجب أن قاذفها فاسق إلا أن يتوب .

                                                                                                                                                                                          وروينا من طريق مسلم نا محمد بن الوليد بن عبد الحميد أنا محمد بن جعفر نا شعبة نا عبيد الله بن أبي بكر قال : سمعت أنس بن مالك قال { ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم الكبائر ، وسئل عن الكبائر ؟ فقال : الشرك بالله ، وقتل النفس ، وعقوق الوالدين - قال : ألا أنبئكم بأكبر الكبائر ، قول الزور - أو قال : شهادة الزور } قال شعبة : وأكبر ظني أنه قال - شهادة الزور " .

                                                                                                                                                                                          [ ص: 225 ] ومن طريق مسلم أنا عمر بن محمد بن بكير الناقد نا إسماعيل ابن علية عن سعيد الجريري نا عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه أنه قال { كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : ألا أنبئكم بأكبر الكبائر - ثلاثا - الإشراك بالله وعقوق الوالدين - وشهادة الزور أو قول الزور - وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم متكئا فجلس ، فما زال يكررها حتى قلنا : ليته سكت } ؟ قال أبو محمد رحمه الله : ليس شك الراوي بين قوله عليه السلام شهادة الزور أو قول الزور بمحيل شيئا من حكم هذين الخبرين فأي ذلك كان فالمعنى فيه واحد لا يختلف ، لأن كل قول قاله المرء غير حاك فقد شهد به ، وكل شهادة يشهد بها المرء فقد قالها فالقول شهادة ، والشهادة قول ، وهذه الشهادة هي غير الشهادة المحكوم بها ، قال الله تعالى { ستكتب شهادتهم ويسألون } وقال تعالى { فإن شهدوا فلا تشهد معهم } فهذه الشهادة هي القول المقول ، لا المؤداة عند الحاكم بصفة ما - وبالله تعالى التوفيق .

                                                                                                                                                                                          فصح أن قذف الكافرة البريئة قول زور بلا خلاف من أحد ، وقول الزور من الكبائر ، كما بين رسول الله صلى الله عليه وسلم .

                                                                                                                                                                                          روينا من طريق مسلم نا قتيبة بن سعيد نا ليث بن سعد عن ابن الهادي عن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف عن حميد بن عبد الرحمن عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { إن من أكبر الكبائر شتم الرجل والديه ؟ قالوا : يا رسول الله ، وكيف يشتم الرجل والديه ؟ قال : نعم ، يسب أبا الرجل فيسب أباه ، ويسب أمه فيسب أمه } .

                                                                                                                                                                                          فصح أن السب المذكور من الكبائر ، وإن لم يكن قذفا ؟

                                                                                                                                                                                          قال أبو محمد رحمه الله : وأما من رمى المرء بما فعل فليس قذفا ، لكنه غيبة إن كان غائبا ، وأذى إن كان حاضرا ، هذا ما لا خلاف فيه - وبالله تعالى التوفيق .

                                                                                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                                                                                          الخدمات العلمية