الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ الانتخاب عند الضرورة ] ويشهد للثاني النهي عن الانتخاب ; لقول ابن الصلاح : ( والكتاب ) ، أو الجزء ، بالنصب ( تمم ) أيها الطالب ( سماعه ) وكتابته ، و ( لا تنتخبه تندم ) ; فإنك قد تحتاج بعد ذلك إلى رواية شيء منه ، فلا تجده فيما انتخبته منه ، وقد قال ابن المبارك : ما انتخبت على عالم قط إلا ندمت .

وفي لفظ عنه : ما جاء من منتق خير قط . وعن ابن معين قال : سيندم المنتخب في الحديث حيث لا ينفعه الندم . وفي لفظ عنه : صاحب الانتخاب يندم ، وصاحب النسخ لا يندم . [ ص: 301 ] وقال المجد الصرجكي من الحنفية : ما قرمطنا ندمنا ، وما انتخبنا ندمنا ، وما لم نقابل ندمنا . وقد أشرت إليه في المقابلة . وقال أبو الزناد : كنا نكتب الحلال والحرام ، وكان الزهري يكتب كل ما سمع ، فلما احتيج إليه علمت أنه أعلم الناس .

ولم يقنع الإمام أحمد بانتخاب كتب غندر كما فعل ابن المديني وغيره ، بل قال : ما أعلم أحدا نسخ كتبه غيرنا .

( و ) لكن ( إن يضق حال ) كما أشار إليه الخطيب ( عن استيعابه ) ; أي : الكتاب أو الجزء ; لعسر الشيخ ، أو لكونه أو الطالب واردا غير مقيم ، فلا يتسع الوقت له ، أو لضيق يد الطالب ونحو ذلك . وكذا إن اتسع مسموعه بحيث تكون كتابة الكتب أو الأجزاء كاملة كالتكرار ، واتفق شيء منها ( لعارف ) ; أي : بجودة الانتخاب ، اجتهد ( وأجاد في انتخابه ) بنفسه ، فقد كان الناس على ذلك .

( أو ) اتفق ذلك لمن ( قصر ) عن معرفة الانتخاب ( استعان ) في انتخاب ما له فيه غرض ( ذا ) ; أي : صاحب ، ( حفظ ) ومعرفة ; ( فقد كان من الحفاظ من له ) ; أي : للانتخاب لرفاقه المتميزين فضلا عن القاصرين ، ( يعد ) ; أي : يهيئ بحيث يوجه إليه ويتصدى لفعله ; كأبي زرعة الرازي والنسائي وإبراهيم بن أورمة وعبيد العجل [ ص: 302 ] والجعابي وعمر بن الحاجب البصري وابن المظفر والدارقطني وابن أبي الفوارس واللالكائي ; فإنهم كانوا ينتخبون على الشيوخ ، والطلبة تسمع وتكتب بانتخابهم .

واقتفى من بعدهم أثرهم في ذلك إلى الناظم وتلامذته ; كولده والصلاح الأقفهسي وشيخنا ، ثم طلبته ; كالجمال بن موسى ومستمليه وصاحبنا النجم الهاشمي .

وتوسعا في ذلك إلى حد لم أرتضه منهما ، وإن كنت سلكته ، والأعمال بالنيات ، وإلا فمتى لم يكن عارفا وتولى ذلك بنفسه أخل ، كما وقع لابن معين في ابتداء أمره مما حكاه عن نفسه ، قال : دفع إلي ابن وهب عن معاوية بن صالح خمسمائة أو ستمائة حديث ، فانتقيت شرارها لكوني لم يكن لي بها حينئذ معرفة .

وقد رأيت ما يدل على أن شرط الانتخاب أن يقتصر على ما ليس عنده وعند من ينتخب لهم ، فذكر أبو أحمد بن عدي عن أبي العباس بن عقدة قال : كنا نحضر مع الحسين بن محمد المعروف بعبيد ، ويلقب أيضا ( العجل ) ، عند الشيوخ وهو شاب ، فينتخب لنا ، فكان إذا أخذ الكتاب كلمناه فلا يجيبنا حتى يفرغ ، فسألناه [ ص: 303 ] عن ذلك ، فقال : إنه إذا مر حديث الصحابي أحتاج أتفكر في مسند ذلك الصحابي ، هل الحديث فيه أم لا ؟ فلو أجبتكم خشيت أن أزل ، فتقولون لي : لم انتخبت هذا وقد حدثنا به فلان .

( وعلموا ) ; أي : من انتخب من الأئمة ، ( في الأصل ) المنتخب منه ما انتخبوه ; لأجل تيسر معارضة ما كتبوه به ، أو لإمساك الشيخ أصله بيده ، أو للتحديث منه ، أو لكتابة فرع آخر منه ; حيث فقد الأول ، واختلف اختيارهم في كيفيته لكونه لا حجر فيه ، فعلموا ( إما خطا ) بالحمرة ، ثم منهم من يجعله عريضا في الحاشية اليسرى كالدارقطني ، أو صغيرا في أول إسناد الحديث كاللالكائي .

( أو ) علموا بصورة ( همزتين ) بحبر في الحاشية اليمنى ; كأبي الفضل علي بن الحسن الفلكي ، ( أو بصاد ) ممدودة بحبر في الحاشية أيضا ; كأبي الحسن علي بن أحمد النعيمي ، ( أو بطا ) مهملة ممدودة كذلك ; كأبي محمد الخلال ، أو بحائين إحداهما إلى جنب الأخرى كذلك ; كمحمد بن طلحة النعالي ، أو بجيم في الحاشية اليمنى كالجماعة ، أو غير ذلك .

التالي السابق


الخدمات العلمية