الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ هل خير العرض مع شيخه أو مع نفسه ] :

( و ) لكن ( خير العرض ) ما كان ( مع أستاذه ) أي : شيخه على كتابه بمباشرة الطالب ( بنفسه إذ ) أي : حين ( يسمع ) من الشيخ أو عليه أو يقرأ ، لما يجمع ذلك من وجوه الاحتياط والإتقان من الجانبين . يعني : إن كان كل منهما أهلا لذلك ، فإن لم تجتمع هذه الأوصاف نقص من مرتبته بقدر ما فاته منها . قاله ابن الصلاح .

وقيد ابن دقيق العيد في ( الاقتراح ) الخيرية بتمكن الطالب مع ذلك من التثبت في القراءة أو السماع ، وإلا فتقديم العرض حينئذ أولى . قال : بل أقول : إنه أولى مطلقا ; لأنه إذا قوبل أولا كان حالة السماع أيسر ، وأيضا فإن وقع إشكال كشف عنه وضبط ، فقرئ على الصحة ، وكم من جزء قرئ بغتة ، فوقع فيه أغاليط وتصحيفات لم يتبين صوابها إلا بعد الفراغ فأصلحت ، وربما كان ذلك على خلاف ما وقعت القراءة عليه وكان كذبا إن قال : قرأت ; لأنه لم يقرأ على ذلك الوجه .

( وقيل ) وهو قول الحافظ أبي الفضل الهروي الجارودي : ( بل ) خير العرض ما كان ( مع نفسه ) بعينك حرفا حرفا لكونه حينئذ لم يقلد غيره ، ولم [ ص: 81 ] يجعل بينه وبين كتاب شيخه واسطة ، وهو بذلك على ثقة ويقين من مطابقتهما ( و ) لذا ( اشترطا بعضهم ) من أهل التحقيق ( هذا ) فجزم كما حكاه عياض عنه بعدم صحة مقابلته مع أحد غير نفسه ( وفيه ) أي : الاشتراط ( غلطا ) القائل به . فقال ابن الصلاح : ( إنه مذهب متروك ، وهو من مذاهب أهل التشديد المرفوضة في عصرنا ) . وصحح عدمه لا سيما والفكر يتشعب بالنظر في النسختين بخلاف الأول ، والحق كما قال ابن دقيق العيد أن ذلك يختلف ، فرب من عادته - يعني لمزيد يقظته وحفظه - عدم السهو عند نظره فيهما ، فهذا مقابلته بنفسه أولى ، أو عادته - يعني لجمود حركته وقلة حفظه - السهو .

فهذا مقابلته مع غيره أولى ، على أن الخطيب قال : ( إنه لو سمع من الراوي ولم تكن له نسخة ، ثم نسخ من الأصل ، استحب له العرض على الراوي أيضا للتصحيح وإن قابل به ) ; لأنه يحتمل أن يكون في الأصل خطأ ونقصان حروف وغير ذلك مما يعرفه الراوي ، ولعله أن يكون أقره في أصله ; لأن الذي حدثه به كذلك رواه فكره تغيير روايته - يعني : ومشى على الصواب في المسألة - وعول فيه على حفظه له ومعرفته به . ثم حكى ذلك عن جماعة ، وبه يتأيد قول ابن الصلاح : إن ما ذكرناه - يعني من العرض مع الشيخ - أولى من إطلاق الجارودي ، بل ولا مانع من تقييده به ويزول الاختلاف .

وقد قرأت بخط شيخنا التردد في مراد الجارودي فقال : إن أراد به أن صاحب الكتاب يتولاها بنفسه مع الشيخ أو مع موثوق به فهو متجه ، فإن عناية المرء [ ص: 82 ] بتصحيح نسخته أشد من اعتناء غيره ، حتى ذهب بعض أهل التشديد إلى أن الرواية لا تصح إلا إن قابل الطالب بنفسه مع غيره ، وأنه لا يقلد غيره في ذلك ، وإن أراد أنه يقرأ سطرا من الأصل ثم يقرأه بعينه ، فهذا لا يفيد ; لأن الشخص لا يتمكن من المقابلة بنفسه مع نفسه من نسختين ، وإن أراد أنه يقرأ كلمة أو كلمتين في كتاب نفسه ، ثم يقرأ ذلك في الأصل ، فهذا يصح ، إلا أنه قل أن يتفق مع ما فيه من التطويل الذي يضيع به العمر .

قال الخطيب : وليجعل للعرض قلما معدا ، ثم ساق عن أبي نعيم الفضل بن دكين أنه قال لرجل لاجه في أمر الحديث : اسكت فإنك أبغض من قلم العرض .

فائدة : قد مضى في الباب قبله حكاية استحباب لفظ الدارة الفاصلة بين الحديثين عند الانتهاء من مقابلة كل حديث لئلا يكون بعد في شك ، ومنهم من يجعل عقب كل باب أو كراس ما يعلم منه العرض ، وربما اقتصر بعضهم على الإعلام بذلك ، آخر الكتاب حتى كان أبو القاسم البازكلي يكتب ما نصه : صح بالمعارضة وسلم بالمقابلة من المناقضة ، وذلك من البسملة إلى الحسبلة .

التالي السابق


الخدمات العلمية