الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
( قال : ) وإذا تزوجت المرأة غير كفء فرضي به أحد الأولياء جاز ذلك ، ولا يكون لمن هو مثله في الولاية أو أبعد منه أن ينقضه إلا أن يكون أقرب منه فحينئذ له المطالبة بالتفريق ، وقال أبو يوسف رحمه الله تعالى في نوادر هشام : إذا رضي أحد الوليين بغير كفء فللولي الذي هو مثله أن لا يرضى به ، وهو قول زفر والشافعي رحمهما الله تعالى .

وكذلك إن كان هذا الولي الراضي هو الذي زوجها ، والخلاف مع الشافعي إنما يتحقق هنا ، وجه قولهم أن طلب الكفاءة حق جميع الأولياء فإذا رضي منهم واحد فقد أسقط حق نفسه وحق غيره فيصح إسقاطه في حق نفسه دون غيره كالدين المشترك إذا أبرئ أحدهم أو ارتهن رجلان عينا ثم رده أحدهما أو سلم أحد الشفيعين الشفعة أو عفا أحد الوليين عن القصاص يصح في حقه دون غيره ، وكذلك لو قذف أم جماعة وصدقه أحدهم كان للباقين المطالبة بالحد ، والدليل عليه أنها لو زوجت نفسها من غير كفء كان للأولياء أن يفرقوا ، ولم يكن رضاها بعدم الكفاءة مبطلا حق الأولياء فكذلك هنا .

وحجتنا أن الحق واحد ، وهو غير محتمل للتجزيء ; لأنه ثبت بسبب [ ص: 27 ] لا يحتمل التجزيء فيجعل كل واحد منهم كالمنفرد به كما في الأمان فإن فيه إبطال حق الاستغنام والاسترقاق ثم صح من واحد من المسلمين في حق جماعتهم ; للمعنى الذي قلنا ، وهذا لأن الإسقاط صحيح في حق المسقط بالاتفاق فإذا كان الحق واحدا ، وقد سقط في حق المسقط فمن ضرورته سقوطه في حق غيره ; لأنه لو لم يسقط في حق غيره لكان إذا استوفاه يصير حق الغير مستوفى أيضا ، وذلك لا يجوز ; ولأنه لما لم يبق بعد السقوط لا يتمكن الآخر من المطالبة به بخلاف الدين فإنه متجزئ في نفسه ، وبخلاف الرهن فإنا لو نفينا حق الآخر لا يصير حق المسقط مستوفى ، وبه تبين أن الحق يتعدد هناك ، وكذلك في الشفعة ، وفي القصاص ما لا يحتمل التجزيء لا يبقى بعد عفو أحدهم ، وإنما يبقى ما يحتمل التجزيء ، وهو الدية وبخلاف حد القذف فإن ذلك لا يحتمل السقوط ولكن المصدق ينكر سبب الوجوب ، وهو إحصان المقذوف وإنكار سبب وجوب الشيء لا يكون إسقاطا له فوزانه مما نحن فيه أن لو ادعى أحد الأولياء أن الزوج كفؤ ، وأثبت الآخر أنه ليس بكفء فيكون له أن يطلب التفريق وأما إذا رضيت هي فلأن الحق الثابت لها غير الحق الثابت للأولياء ; لأن الثابت لها صيانة نفسها عن ذل الاستفراش ، وللأولياء صيانة نسبهم عن أن ينسب إليهم بالمصاهرة من لا يكافئهم ، وأحدهما غير الآخر فلم يكن إسقاط أحدهما موجبا سقوط الآخر ألا ترى أنه قد يثبت الخيار لها في موضع لا يثبت ; للأولياء على ما نبينه في آخر الباب إن شاء الله تعالى ومتى فرق القاضي بينهما بعد الدخول ; لعدم الكفاءة حتى وجبت عليها العدة فلها نفقة العدة على الزوج ; لأنها كانت تستحق النفقة في أصل النكاح فيبقى ذلك ببقاء العدة ، وسكوت الولي عن المطالبة بالتفريق ليس برضا منه بالنكاح ، وإن طال ذلك حتى تلد ، وله الخصومة إن شاء ; لأن هذا حق ثابت له ، والسكوت ليس بمبطل للحق الثابت بصفة التأكد ; ولأنه يحتاج إلى الخصومة في المطالبة ، وقد لا يرغب الإنسان بالخصومة في كل وقت فتأخيره إلى أن يتمكن منه لا يكون مبطلا حقه

التالي السابق


الخدمات العلمية