الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
فأما إذا حدث بالصداق عيب فاحش في يد الزوج فهو على خمسة أوجه .

( أحدها ) : أن يكون العيب بآفة سماوية فيثبت لها الخيار إن شاءت رجعت بقيمة الصداق يوم تزويجها على الزوج ، وإن شاءت أخذت المعيب ، ولا شيء لها من ضمان النقصان ; لأن الزوج عجز عن تسليم الصداق سليما كما أوجبه العقد فيثبت لها الخيار ، وإذا أرادت رجعت بالقيمة ; لأنه تعذر تسليم العين مع بقاء السبب الموجب له ، فإن اختارت الأخذ فلا شيء لها من ضمان النقصان على الزوج ; لأن الصداق مضمون عليه بالعقد ، والأوصاف لا تكون مضمونة بالعقد وعن زفر رحمه الله تعالى أن لها أن تضمن الزوج النقصان ; لأن الصداق مضمون في يد الزوج بنفسه كالمغصوب إذا تعيب في يد الغاصب كان للمغصوب منه أن يضمنه النقصان مع استرداد العين ، ولكنا نقول : المغصوب مضمون بالقبض ، والأوصاف تضمن بالقبض .

( والثاني ) : أن يكون التعيب بفعل [ ص: 75 ] الزوج فيكون لها الخيار للتغير ، وإن اختارت الأخذ ضمنت الزوج النقصان ، وروى أبو يوسف عن أبي حنيفة رحمهما الله تعالى أنه ليس لها حق تضمين النقصان ; لأنه مضمون على الزوج بالعقد فكان بمنزلة المبيع ، والبائع إذا عيب المبيع قبل القبض لا يلزمه ضمان النقصان للمشتري فهذا مثله ، ووجه ظاهر الرواية أن الزوج أتلف جزءا من الصداق ، ولو أتلف الكل ضمن قيمة الكل ، فكذلك إذا أتلف جزءا منه ، وبه فارق البيع فإن البائع هناك لو أتلف الكل لم يضمنه فكذا إذا أتلف الجزء .

ثم المعنى فيه : أن المبيع مضمون بالثمن ، وفي ما هو مضمون به فصلنا بين العيب بفعل البائع وبآفة سماوية حتى إنه إذا تعيب بفعل البائع سقطت حصته من الثمن عن المشتري ، بخلاف ما إذا تعيب بآفة سماوية فهنا أيضا يفصل بينهما فيما إذا كان الصداق مضمونا به ، وهو القيمة ; وهذا لأن الإتلاف من الزوج يتحقق في الأوصاف كما يتحقق في الأصل بخلاف ما إذا تعيب بغير فعله فإن الضمان هناك بالعقد ، والعقد لا يتناول الأوصاف مقصودا .

( الثالث ) : أن يكون التعيب بفعل الصداق بنفسه ففي ظاهر الرواية هذا كالعيب بآفة سماوية ; لأن فعله بنفسه هدر ، وقد روي عن أبي حنيفة رحمه الله تعالى أن هذا بمنزلة تغيب الزوج ; لأنه مضمون عليه ، وفعل المضمون كفعل الضامن في استحقاق موجبه عليه كما في المغصوب .

( الرابع ) : إن حصل التعيب بفعل الأجنبي يجب عليه ضمان النقصان ، ويكون ضمان النقصان بمنزلة الزيادة المتولدة قبل القبض فيثبت لها الخيار للتغير فإذا اختارت الأخذ رجعت على الجاني بضمان النقصان ، وإن اختارت تضمين الزوج القيمة رجع الزوج على الجاني بضمان النقصان ، ولو أرادت أن تأخذ العين ، وتضمن الزوج النقصان لم يكن لها ; لانعدام الصنع من الزوج في التعيب .

( الخامس ) : أن يكون التعيب بفعل المرأة فتصير به قابضة للصداق ; لأنها أتلفت جزءا منه فتكون قابضة لذلك الجزء بالإتلاف ، ولما وراء ذلك بالتخلي ، ولا خيار لها في ذلك ، والذي بينا في هذه الفصول فيما إذا دخل بها الزوج أو مات عنها فأما إذا لم يدخل بها فهي في حق النصف إذا طلقها قبل الدخول كما في الكل إذا طلقها بعد الدخول

التالي السابق


الخدمات العلمية