الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ( وغصب ) غير المؤجر لنحو ( الدابة وإباق العبد ) في إجارة عين قدرت بمدة بلا تفريط من المكتري وكان الغصب على المالك ( يثبت الخيار ) إن لم يبادر بالرد كما مر وذلك لتعذر الاستيفاء ، فإن فسخ فظاهر ، وإن أجاز ولم يرد حتى انقضت مدتها انفسخت الإجارة فيستقر قسط ما استوفاه من المسمى ، [ ص: 324 ] أما إجارة الذمة فيلزم المؤجر فيها الإبدال فإن امتنع استأجر الحاكم عليه ، والمعين عما فيها ليس كالمعين في العقد فينفسخ بتلفه التعيين لا أصل العقد ، وأما إجارة عين مقدرة بعمل فلا تنفسخ بنحو غصبه ، بل يستوفيه متى قدر عليه كثمن حال آخر قبضه ، وأما وقوع ذلك بتفريط المكتري فيسقط خياره ويلزمه المسمى ، قاله الماوردي . ومحل الخلاف إذا غصبها من المالك ، أما لو غصبها من المستأجر فلا خيار ولا فسخ على ما بحثه ابن الرفعة أخذا من النص واستشهد له الغزي بما فيه نظر . قال الأذرعي : وهو مشكل ، وما أظن الأصحاب يسمحون به ، وأما غصب المؤجر لها بعد القبض أو قبله بأن امتنع من تسليمها حتى انقضت المدة فيفسخها كما يأتي ، ووقع السؤال عمن اكترى لحمل مريض من نحو الطائف إلى مكة وقد عين في العقد فمات في أثناء الطريق فهل يلزمه حمله ميتا إليها ؟ والأقرب أخذا من نص للبويطي صرح فيه بأن الميت أثقل من الحي أن من استؤجر لحمل حي مسافة معلومة فمات في أثنائها وأراد وارثه نقله إليها وجوزناه كأن كان بقرب مكة وأمن تغييره أن له فسخ الإجارة لطرو ما هو كالعيب في المحمول وهو زيادة ثقله حسا أو معنى على الدابة ، ويؤيده قولهم لا يجوز النوم عليها في غير وقت النوم من غير شرط لأن النائم يثقل ، ولا يعارض قولهم بانفساخها بتلف المستوفى به المعين في العقد تارة على ما في الروضة وبعدمه أخرى ، ثم إن عين فيه أو بعده وبقي أبدل جوازا ، وإن عين بعده وتلف أبدل وجوبا برضا المكتري لأن [ ص: 325 ] هذا مفروض في التلف كما ترى ، وما نحن فيه ليس منه لإمكان حمل الميت وإنما حدث فيه وصف لم يكن حال العقد فاقتضى التخيير ما لم يبدله بمن هو مثله أو دونه

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            ( قوله : وكان الغصب على المالك ) أي بأن غصب من يده ا هـ سم على حج . أقول : والظاهر أن ما فهمه من قوله على المالك أن المراد به أنها غصبت من يد المالك غير مراد ، بل المراد أنها غصبت من المستأجر لأجل كونها منسوبة إلى المالك ، كأن يكون بين الغاصب والمالك ما يحمله على الغصب لكونه حقا للمالك لعداوة بينهما أو تهمة ، وأن المراد بغصبت على المستأجر أنها غصبت منه لكن لعداوة بينه وبين الغاصب وبه يندفع ما سنذكره من التأمل الآتي ( قوله : فيستقر قسط ما استوفاه ) فإن استغرق الغصب جميع المدة انفسخت في الجميع وإن زال الغصب وبقي من المدة شيء ثبت الخيار للمستأجر لتفريق الصفقة عليه والخيار على الفور إلى آخر ما تقدم في الشارح ا هـ . قلت : لكن محله إذا لم يكن هناك تفريق صفقة ، أما إذا كان هناك تفريق صفقة فهو على الفور ، كذا بخط شيخنا الزيادي ، وقد أفتى شيخنا الزيادي أيضا بأن الغصب يفسخ الإجارة فوقعت الفتيا في يد بعض أكابر العلماء فذهب بها إلى القاضي يحيى بن زكريا زمن ولايته بمصر وصحب معه متن المنهاج وقال : العجب ثم العجب أن الشيخ نور الدين الزيادي أفتى بأن الغصب يفسخ الإجارة ، وهذا متن المنهاج قاض عليه بأن الغصب يثبت الخيار ، وإن هذا الأمر عجيب ، فبلغ شيخنا المذكور ذلك المجلس فكتب إلى القاضي يحيى وهذا صورة ما كتب ومن خطه نقلت المعروض على المسامع الكريمة حرسها الله تعالى من كل سوء بجاه محمد صلى الله عليه وسلم : إن هذه المسألة كتب فيها بعض الشافعية مخالفا لما كتبته ، وقد سئلت عنها من نحو عشر سنين فكتبت فيها بانفساخ الإجارة ، وقد أشرت إلى الانفساخ فإن المطالبة إنما تثبت للمتحدث : أي الناظر لا للمستأجر شيئا فشيئا ، فإن استغرق الغصب جميع المدة انفسخت في الجميع ، وإن زال الغصب وبقي من المدة شيء ثبت الخيار للمستأجر لتفريق الصفقة عليه والخيار على الفور لأنه خيار تفريق صفقة .

                                                                                                                            وقد غلط في هذه المسألة جماعة من أكابر المتأخرين فقالوا إن الخيار على التراخي في هذه المسألة لأن الأصحاب أطلقوا أن خيار الإجارة على التراخي ، لكن محله إذا لم يكن هناك تفريق صفقة ، أما إذا كان هناك تفريق صفقة فهو على الفور . فوقعت الفتيا في يد جماعة من أصحاب العمائم الكبار فذهب بها إليه وقال : هذا أمر عجيب أن فلانا أفتى بانفساخ الإجارة بالغصب ، فقلت له : المسألة منقولة في شرح الروض وشرح المنهج ، فرجع إلي وقال : في أي باب ؟ فقلت له في كتاب الإجارة ، ثم كتبت ثانيا فوقعت الفتيا في يد بعض مدرسي الجامع الأزهر ، فأرسل إلي بعض تلامذته فقال لي : في متن المنهاج [ ص: 324 ] إن الغصب يثبت الخيار فكيف تكتب بانفساخ الإجارة ، فنهرت التلميذ فرجع لشيخه وجاءني بمتن المنهاج فذكرت له أن متن المنهاج لا يجوز الإفتاء منه إلا للعارف . ومعنى متن المنهاج أن الغاصب إذا أزيلت يده وبقي من الإجارة شيء ثبت له الخيار ، وقد استبعد السبكي رحمه الله ثبوت الخيار إذا استغرق الغصب جميع المدة ، وقد بلغني أن بعض الجماعة الذين كتبوا مخالفا لما كتبت رجع واعترف بالخطأ ، وغالب الجماعة لم يقرأ على أحد وإنما أخذ العلم من الورق ، والفقير إنما أخذ العلم عن محقق العصر كالشهاب الرملي والشيخ عميرة والشيخ نور الدين الطندتائي والشيخ شهاب الدين البلقيني حافظ العصر ، وقد كتب لي في الإجارة أنا مدينة العلم وعلي بابها ، وكان من أرباب الأحوال يتصرف في الكون جهارا والفقير له علوفة تكفيه وليس محتاجا لشيء من الوظائف جزاكم الله خيرا وأحسن إليكم ا هـ . هكذا بخط شيخنا الزيادي رحمه الله ا هـ عبد البر الأجهوري ( قوله أما إجارة الذمة ) محترز قوله في إجارة عين

                                                                                                                            ( قوله : لا أصل العقد ) قضيته وإن كان بتفريط المستأجر ا هـ سم على حج وهو ظاهر ( قوله : وأما وقوع ذلك بتفريط المكتري ) يتأمل صورة تفريط المستأجر مع أن الغصب من يد المالك إلا أن يصور بما إذا امتنع من تسلمها حتى غصبت ولو تسلمها لم تغصب ا هـ سم على حج . وقد يتوقف في قوله إلا أن يصور إلخ فإن المشتري لو عرض عليه مبيع وامتنع من قبضه وتلف انفسخ العقد ولا ضمان على المشتري ويرجع بثمنه إن كان دفعه للبائع ( قوله : قال الأذرعي إلخ ) إطلاق الشيخ في شرح منهجه يقتضي ثبوت الفسخ والخيار سواء كان الغصب في يد المستأجر على المالك ، أو المستأجر فيوافق ما قاله الأذرعي وهو المعتمد ( قوله : وهو مشكل ) أي فلا فرق بين كون الغصب على المالك أو المستأجر في ثبوت الخيار ولو مع التفريط غايته أنه يضمن القيمة إذا فرط ( قوله : وهو زيادة ثقله ) قيل يؤخذ مما ذكر أن هذا في غير الشهيد ، أما هو فليس للمؤجر فسخ الإجارة بموته لأنه حي وقد يمنع الأخذ بأن حياته ليست حسية فلا ينافي أنه يثقل بعد الموت الحسي وإن كان حيا [ ص: 325 ] عند الله ( قوله : فاقتضى التخيير ) أي بين الفسخ وعدمه ، فإن لم يفسخ ألزم بحمله قهرا عليه ولا شيء له زيادة على ما سماه أولا .



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            ( قوله : وكان الغصب على المالك ) [ ص: 324 ] ليس بقيد كما يعلم مما يأتي ( قوله : ومحل الخلاف ) كذا في نسخ الشارح ، ولعله محرف عن قوله ومحل الخيار وإلا فالمسألة لم يتقدم فيها خلاف . ( قوله : والأقرب أخذا من نص للبويطي إلخ ) ربما يوهم أن هذا الأخذ له وليس كذلك ، فإن هذا الأخذ وما بعده إلى آخر السوادة جواب للشهاب حج ، وهو الذي سئل عن هذه المسألة كما يعلم [ ص: 325 ] بمراجعة تحفته




                                                                                                                            الخدمات العلمية