الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

كون الفائدة الربوية تعود على محتاجي الزواج لا يغير من حكم الربا شيئا

السؤال

لا جدال في مدى حرمة القروض الربوية نصاً لا يختلف عليه اثنان ولو على قدر قليل من إلمامهم بمسائل التحريم في ديننا الإسلامي، بيد أن الحال الآن وإذا ما نظرت إلى حال طبقة الشباب من المجتمع والإقبال اللافت على هذه القروض, بتعليل ارتفاع تكاليف السكن والمعيشة الأمر الذي دفع العديد منهم إلى الإقبال على هذه القروض متمسكين إذا ما دفعك الفضول حتى بأسباب أقلها أهمية ما تم ذكره أعلاه, أضف إلي ذلك تفسيراً قد لا أعرف إن كان صواباً أم لا، وهو لطالما أن الدولة هي صاحبة المال وهي من اتخذ قرار الإقراض تيسيراً على من هو في مسيس الحاجة إلى إقراض بغية بناء سكن ومن ثم الزاوج وهذا كله يتم عن طريق أحد المصارف المتخصصة ذات العراقة في جني ثمار الفوائد البنكية، والدولة هنا مستعينة به كخبرة في ضمان القرض من رهن ونحوه... إلخ بفائدة 2% وذلك من أجل خدمات القرض والأخر المتبقي في مساع الخير التي تنفقها البلاد، لتمتد فترة سداده لمئة (100)، عام أو أكثر بقسط شهري قد يكون ميسرا حسب دخل الشخص، وفي كل مكان أو مجلس إذا ما أثير نقاش في الأمر ولو مع الزملاء قيل لي إنك إذا لم تحصل على قرض فهذا حالك يبقى دون تغيير إلى أمد الدهر، سوف لن تتزوج، ولن يكون لك مسكن ولن يكون لك أطفال هيهات لك ذلك وهذا الكلام لم يعد غريباً حتى من الوالدين، وإذا ما قلت إن هذا حرام (والله أعلم ) قد يسخر القوم منك وفي استهزاء، فهل يعقل أن نقول هذا الكلام والواحد القهار متكفل الأرزاق مغير الأحوال في موجود في كل مكان وزمان، وهل لي بتذكيرهم بهذا الأمر (إن كنت على يقين) أم أن كل شيء بين، وهل ما ذكرته سلفاً تجاه هذا القرض يعتبر مباحا أي هل هـو قرض حسن؟ (بفائدة، القسط ميسر، الدولة صاحبة المال، طول مدة السداد، الحاجة الماسة إليه) ؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فمما لا خلاف فيه بين أهل العلم أن الربا حرام، سواء كان آكل الربا فردا أو مؤسسة أو دولة، وأن قليل الربا وكثيره حرام، ولا فرق من حيث الحرمة بين كون سداد القرض الربوي ميسرا بأقساط مريحة أو لا، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الربا سبعون حوباً أيسرها أن ينكح الرجل أمه. رواه ابن ماجه وصححه الألباني. قال السندي: المراد إنها سبعون نوعاً من الإثم.. أيسرها أي أخف تلك الآثام إثم نكاح الرجل أمه. انتهى. وقال ابن المنذرفي الإجماع: أجمعوا على أن المسلف إذا شرط على المستلف هدية أو زيادة، فأسلفه على ذلك، أن أخذه الزيادة ربا.

وكذلك لا فرق بين تسمية الربا باسمه أو بغير اسمه، ما دامت حقيقته موجودة ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ليشربن ناس من أمتي الخمر يسمونها بغير اسمها. رواه أبو داود وابن ماجه والنسائي وصححه الألباني.

وقد ناقش ابن القيم حكم بيع العينة، وأورد أدلة تحريمه بتفصيل، وذكر منها مرسل الأوزعي قَال في حاشية ابن القيم على سنن أبي داود: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يأتي على الناس زمان يستحلون الربا بالبيع. ثم قال: ويشهد له أيضاً قوله صلى الله عليه وسلم: ليشربن ناس من أمتي الخمر يسمونها بغير اسمها... فهذا إخبار عن استحلال المحارم، ولكنه بتغيير أسمائها، وإظهارها في صور تجعل وسيلة إلى استباحتها، وهي الربا والخمر والزنا، فيسمى كل منها بغير اسمها، ويستباح الاسم الذي سمي به، وقد وقعت الثلاثة. انتهى.

وكون بعض الناس يعتقدون أن زواجهم وأمور معاشهم لا تتم في هذا الزمان إلا بتعاطي الربا، يكذبه الشرع، ويكذبه أيضا الواقع، فقد رأينا من يتقي الله ويجتنب المحارم رغم الفقر والحاجة، فيبدله الله مكان الضيق فرجا، ومكان الهم فرحا، ومصداق ذلك في كتاب الله، قوله تعالى: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا* وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا {الطلاق:2-3}، وقوله تعالى: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا {الطلاق:4}.

وأما وجود الحاجة الماسة، فهذا أمر معتبر شرعا إذا وصلت هذه الحاجة إلى درجة الضرورة، كالتي يجوز معها أكل الميتة، قال تعالى: إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ {البقرة: 173}، فإن أشرف الإنسان على الموت من قلة الطعام مثلا، ولم يجد ما يسد به جوعه إلا بتعاطي الربا، جاز له ذلك بالقدر الذي يدفع الضرورة فقط.. وهكذا في بقية الضرورات كالملبس والمسكن والعلاج، بشرط أن تكون الضرورة حقيقية باعتبار الشرع لا الذوق، فمثلا الذي لا يستطيع شراء منزل يسكنه، ولكنه يستطيع أن يستأجر، فليس هذا بضرورة ولا قريب منها، وقد سبقت فتاوى مهمة في إيضاح أمور تتعلق بهذا الموضوع، كبيان أن حرمة الربا معلومة من الدين بالضرورة: 16549، وبيان حكمة تحريم الربا: 11446، وأن تغيير مسمى الربا لا يغير من الحكم شيئاً: 27595، وأن قليل الربا وكثيره حرام: 60856، 23600، وبيان حد الضرورة التي تبيح الربا: 6501، وأن الاقتراض الربوي لبناء منزل لا يجوز إلا في حال الضرورة الحقيقية: 1215، 6933، 6689، 21739.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني