الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

وكل سفيها على المال وهو يعلم حاله فضاع المال فمن يضمنه

السؤال

أرفع إلى سيادتكم مشكلتي حتى تفيدونا بما يترتب من حكم فقهي تجاه هذه المشكلة. وها هي بإيجاز : لي صديق في (دبي ) يعمل في الصرافة وكان له في حلب وسيط يحول له المال الذي يريده إلى الجهة التي يريدها لقاء أجر. لكنهما انفصلا بالتراضي. فبحث عن البديل فلم يجد. وكان صديقنا هذا يعرف ولدنا ظاهرا. فقد أبرم مع ولدنا اتفاقا في التعامل المصرفي, لقاء أجر زهيد ..دون أن يعلمنا بذلك, ودون إذن مني. وأنا وليّه. ويعيش معي وأدير شؤونه لأنه مبتلى بالإسراف والتبذير منذ نشأته، ولمّا يشفى بعد. واستمر صاحبنا يغريه حتى هوى ابننا الأمر وصار من الصعوبة بمكان أن نثنيه عنه، ولم بمض على هذا الاتفاق سوى بضعة أبام حتى أخبرني ولدي بهذا الاتفاق، فلما علمت بذلك أخبرت صديقي: بأن ولدنا ليس أهلا لهذا العمل، فأرجو أن تتوقف، فلم يذعن إلى رجائي. وكانت إجازته قد اقتربت فحضر إلى حلب فأحضرته إلى مكتبي بحضور شهود هو يعرفهم وقلت له: إن ولدي لا يصلح لهذا الأمر, فهو مسرف مبذر. ومعروف لدى كثير من الناس ونحن أعرف به من أي أحد. وإنه يعيش في كنفي وعلى مائدتي وهو يحمل الشهادة الابتدائية فقط. وإنه إذا وضعت في يده مبلغا من المال فخرج فلن يعود حتى لا يبقي منه شيء.ف هو لا يعرف قيمة المال، فأرجوك أن تكف عن التعامل معه لأنك ستؤذيه، فأنا أبوه وأدرى به. فأجابني: دعنا نجربه ونفتح له طريقا للنجاح، قلت له: لقد جربته كثيرا فلم أجد منه رشدا, فأنا أعلم به منك. ومنذ عشر سنين يعمل أجيرا لعدة مهن. ولم يدخر ليرة واحدة . فأرجوك ألا تستمر معه, حفاظا عليه من الفساد والضياع، وحفاظا على مالك فلم يقبل وأصر على ما يريد .وأنا غير راض. وقال: دعه نجربه. فقلت له: إذا ضيع ولدي أو أتلف شيئا من المال فمن يتحمل ذلك؟ ومن هو المسؤول.؟؟ فأجابني: أنا المسؤول وأنا أتحمل ذلك. فتدخل الأخوان (لؤي وخلوق) وقالا له: انتبه يا فلان. فالولد غير كفء لهذا العمل.لأن هذا العمل يتطلب رجلا ذا حكمة ودراية بالحسابات وتحويل المبالغ الكبيرة التي قد تبلغ في بعض الحالات مليون ليرة تحويلة واحدة. فهو لا يحافظ على ماله.فكيف سيحافظ على مالك؟ فإذا ضيع أو أتلف شيئا من المال فمن يتحمل ذلك؟ ومن هو المسؤول؟ فأجابهما: أنا المسؤول. وأنا أتحمل ذلك .(كفيل) وهذا تأكيد صريح منه على إسقاط حق المطالبة لولدنا لو أذهب شيئا من المال. فهو الكفيل لذلك. وبشهادة الشهود. كل هذا التحذير وصديقنا لا يصغي إلى نصائحنا, و أصر على عمله. وبدا له من الأسابيع الأولى: أنه كذلك. ثم أقر واعترف ودون في رسالته إلينا بأن ولدنا فيه هذه الأوصاف التالية. حيث قال: الذي حصل حقيقة أنني حُـذّرت منه, أنه يخطئ, ينس , يهمل" وقال: هي أمور تحصل أثناء التعامل من خطأ أو نسيان أو طيش أو قلة تدبير وحكمة. فأنا أعلم يقينا أن له من طيش الشباب وأنه قد لا يحسن التصرف في بعض الأمور وقد يخفق باجتهاداته . . . وجميعها عن حسن نية ." وقال: صحيح قيل: ولد مستهتر فيه طيش الشباب يسيء التصرف أحيانا قليل المسؤولية وشيء من هذه الكلمات ضمن هذا المعنى" فكيف تاجر مثله يقدم على هذه المغامرة؟ فهذا عمل تجاري فيه ربح وضمان وليس لعبا. ومن يعامل من تكون هذه صفاته فإنه يتلف ماله بيده. ثم مضى زمن آخر؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فإن توكيل السفيه على المال لا يجوز لما في ذلك من تعريض المال للضياع, والمال أحد الضروريات الخمس التي يجب الحفاظ عليها, فقد قال تعالى: وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمْ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا. {النساء: 5}.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع فتاواه: وَقَدْ قَالَ كَثِيرٌ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ هَذَا مِثْلُ تَوْكِيلِ السَّفِيهِ وَهُوَ أَنْ يَدْفَعَ الرَّجُلُ مَالَهُ إلَى وَلَدِهِ السَّفِيهِ أَوْ امْرَأَتِهِ السَّفِيهَةِ فَيُنْفِقَانِ عَلَيْهِ وَيَكُونُ تَحْتَ أَمْرِهِمَا . وَقَالَ آخَرُونَ : ذَلِكَ أَنْ يُسَلِّمَ إلَى السَّفِيهِ مَالَ نَفْسِهِ فَإِنَّ اللَّهَ نَهَى عَنْ تَسْلِيمِ مَالِ نَفْسِهِ إلَيْهِ إلَّا إذَا أُونِسَ مِنْهُ الرَّشَدُ . وَالْآيَةُ تَدُلُّ عَلَى النَّوْعَيْنِ كِلَيْهِمَا .

وقد أحسنتم – أحسن الله إليكم – حين نصحتم الرجل بأن لا يتعامل مع ابنكم لما يتصف به من سفه, فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: الدِّينُ النَّصِيحَةُ قُلْنَا لِمَنْ قَالَ لِلَّهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ. رواه البخاري ومسلم.

أما بخصوص سؤالك المبني على أن ابنكم سفيه وأن موكله عالم بذلك فلا ضمان على ابنكم .

جاء في حاشية البجيرمي : (( وَلَا يَضْمَنُ ( يعني السفيه ) مَا قَبَضَهُ مِنْ رَشِيدٍ بِإِذْنِهِ ) أَوْ بِإِقْبَاضِهِ الْمَفْهُوم بِالْأَوْلَى ( وَتَلف ) وَلَوْ بِإِتْلَافِهِ لَهُ فِي غَيْرِ أَمَانَةٍ ( قَبْلَ طَلَبِ ) ...بِخِلَافِ مَا لَوْ قَبَضَهُ مِنْ غَيْرِ رَشِيدٍ أَوْ مِنْ رَشِيدٍ بِغَيْرِ إذْنِهِ وَإِقْبَاضهُ، أَوْ تَلِفَ بَعْدَ طَلَبِهِ وَالِامْتِنَاع مِنْ رَدِّهِ أَوْ أَتْلَفَهُ فِي أَمَانَةٍ كَوَدِيعَةٍ .

وجاء في المغني لابن قدامة: فإذا حجر عليه فباع واشترى كان ذلك فاسدا واسترجع الحاكم ما باع من ماله ورد الثمن إن كان باقيا وإن أتلفه السفيه أو تلف في يده فهو من ضمان المشتري ولا شيء على السفيه وكذلك ما أخذ من أموال الناس برضا أصحابها كالذي يأخذه بقرض أو شراء أو غير ذلك رده الحاكم إن كان باقيا وإن كان تالفا فهو من ضمان صاحبه علم بالحجر عليه أو لم يعلم لأنه إن علم فقد فرط بدفع ماله إلى من حجر عليه وإن لم يعلم فهو مفرط إذ كان في مظنة الشهرة هذا إذا كان صاحبه قد سلطه عليه فأما إن حصل في يده باختيار صاحبه من غير تسليط كالوديعة والعارية فاختار القاضي أنه يلزمه الضمان إن أتلفه أو تلف بتفريطه لأنه أتلفه بغير اختيار صاحبه فأشبه ما لو كان القبض بغير اختياره .

وللأهمية راجع الفتاوى : 70372، 98351، 105611.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني