الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الصبر على البلاء والدعاء برفع الظلم واستعجال الإجابة

السؤال

حصل لي من فترة ظلم كبير علي وعلى أهل بيتي، ومن ذاك اليوم وأنا صابرة لعلمي أنه امتحان من ربنا، وبدأت أقترب من الله بالدعاء وقراءة القرآن والتوبة النصوح.. المشكلة في بعض الأحيان أتعب وأفكر لماذا حصل لي كل هذا ومتى ربي يرحمني..أعلم أنه لا يجوز لي استعجال رحمة الله، ولكن بعض الأحيان الحزن يخنقني غصبا عني، وأفكر أني أدعو الله حتى يبعد عني الظلم، ويحقق لي ما أتمناه، وأني منافقة أقترب لربنا وقت الشدة والتعب، ولهذا ربنا مؤخر فرجه ورحمته، فأزيد في التعب والتألم وأحاول أبعد هذا التفكير بالدعاء والاستخارة والصلاة فهل أنا منافقة؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فمن لطف الله تعالى أن يقدر البلايا على من يشاء من عباده لينيبوا إليه فيقربهم منه، وهذا من لطف الله بعباده، فلعل اقترابك من الله بعد نزول الظلم عليك هو من هذا الباب.

قال ابن القيم رحمه الله: والله تعالى يبتلى عبده ليسمع شكواه وتضرعه ودعاءه. وقد ذم سبحانه من لم يتضرع إليه ولم يستكن له وقت البلاء، كما قال تعالى: {ولقد أخذناهم بالعذاب فما استكانوا لربهم وما يتضرعون} والعبد أضعف من أن يتجلد على ربه. والرب تعالى لم يرد من عبده أن يتجلد عليه، بل أراد منه أن يستكين له ويتضرع إليه. وهو تعالى يمقت من يشكوه إلى خلقه، ويحب من يشكو ما به إليه. وقيل لبعضهم: كيف تشتكي إليه ما ليس يخفى عليه؟ فقال: ربي يرضى ذل العبد إليه. اهـ

وعلى هذا فما تفعلينه من التقرب إلى الله ليس نفاقا ولا مذموما، وإنما المذموم من يتضرع إلى ربه في حال الشدة والضر، فإذا كشف عنه ذلك تنكر لنعم الله. وانظري الفتوى رقم: 20967.

وأما استعجال رحمة الله فلعلك تقصدين استعجال الإجابة، فإن كان هذا بمعنى تمني وقوعها عاجلا، فهذا بمجرده لا حرج فيه، لكن إن تأخرت الإجابة فلا ينبغي للداعي أن يترك الدعاء، ويقول: دعوت فلم يستجب لي.

قال ابن القيم: ومن الآفات التي تمنع أثر الدعاء أن يتعجل العبد ويستبطئ الإجابة فيستحسر ويدع الدعاء، وهو بمنزلة من بذر بذراً أو غرس غرساً فجعل يتعاهده ويسقيه، فلما استبطأ كماله وإدراكه تركه وأهمله.

وانظري الفتوى رقم: 12365.

ولا شك أن من كان قريبا من الله في كل أحواله أحرى بإجابة دعائه ممن لم يتقرب من الله إلا وقت الشدة؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة. رواه أبو القاسم بن بشران في أماليه، وصححه الألباني.

لكن هذا لا يعني غلق باب الإجابة أمامك، بل قد يقدر الله على عبده البلاء ليسمع منه الدعاء كما سبق. وعموما فنوصيك بالصبر والإكثار من ذكر الله، والاستمرار في الدعاء والتضرع والابتهال إلى الله. وقد سبق بيان آداب الدعاء، وأسباب الإجابة وموانعها في الفتوى رقم: 119608. وما أحيل عليه فيها.

وقد تقدم في الفتوى رقم: 101007. بيان حكمة الابتلاء وثواب الصبر عليه. كما قد ذكرنا في الفتوى رقم: 5249. بعض الأمور المعينة على تجاوز البلاء.

ونسأل الله سبحانه أن يفرج همك، وينفس كربك، ويذهب غمك.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني