الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

مقام نصرة الدين قد يتأتى لمن يقع في المعصية

السؤال

هل يعطي الله عز وجل العلم والحُجَّة للعصـاة إذا أرادوا بصدق وإخلاص الدفاع عن الإسلام بهذا العلم والانتصار لله ورسوله وكتابه وهداية البشر به؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فهذا قد يحدث بحسب ما تقتضيه حكمة الله تعالى، ويدل لذلك عموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: إن الله ليؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر. متفق عليه.

ولكن شتان بين مقام نصرة الدين عموما، ومقام الإمامة في الدين خصوصا، فالأول قد يتأتى لعموم الناس حتى العصاة منهم، وأما الثاني فلا يناله إلا الكُمَّل من المؤمنين، الذين جمعوا بين الصبر واليقين، كما قال تعالى: وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ {السجدة: 24}

ولذلك لما سأل الخليل عليه السلام ربَّه سبحانه أن يجعل من ذريته أئمة في الدين كما جعله هو، استثنى الله من ليس أهلا لذلك، كما في قوله تعالى: وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ {البقرة: 124} .

قال السعدي: أي: لا ينال الإمامة في الدين، من ظلم نفسه وضرها، وحط قدرها، لمنافاة الظلم لهذا المقام، فإنه مقام آلته الصبر واليقين، ونتيجته أن يكون صاحبه على جانب عظيم من الإيمان والأعمال الصالحة، والأخلاق الجميلة، والشمائل السديدة، والمحبة التامة، والخشية والإنابة، فأين الظلم وهذا المقام؟ ودل مفهوم الآية أن غير الظالم سينال الإمامة ولكن مع إتيانه بأسبابها اهـ.

وهذا هو محط نظر أصحاب الهمم العالية، الذين هم أصحاب الدرجات السامية في الجنة، كما وصف الله تعالى عباده الصالحين فقال: وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا {الفرقان: 74}.

والمقصود هو التنبيه على أن العبد قد يقوم مقام نصرة للدين بعلم أو بعمل، رغم عصيانه أو فجوره، ولكن هذا لا يقارن أبدا بمن يستعمله الله في طاعته وهداية عباده بجعله إماما في الدين يقتدى به علما وعملا.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني