الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

من أضمر العودة للذنب لم يتب توبة نصوحا

السؤال

أنا شاب كنت أسمع الأغاني، وفي يوم تبت إلى الله، ولكن في خاطري أني قلت يارب اغفر لي يارب إني تبت، ولكن كان في خاطري أني سأعود ولا أترك الأغاني. هل هذا يعد أمن من مكر الله؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فلا يخفى أن من شروط قبول التوبة: العزم على عدم العود، فمن قال بلسانه: تبت. وأضمر في نفسه العودة إلى الذنب. فإنه لم يتب توبة نصوحا، ولم يحقق شرط قبولها، وراجع في ذلك الفتويين: 5450 ، 75958 .

وقريب من ذلك الاستغفار، فقد اختلف أهل العلم في من استغفر بلسانه وهو مقيم على معاصيه، هل ينفعه استغفاره ويكون مُعَرَّضا للإجابة كسائر أنواع الدعاء، كما سبق بيانه في الفتوى رقم: 123668.

أم أن استغفاره لا يجدي عنه شيئا مع إصراره على الذنب، بل قد يضره، كما قال أبو العباس القرطبي في (المفهم): فأما الاستغفار مع الإصرار فحال المنافقين والأشرار، وهو جدير بالرد وتكثير الأوزار، وقد قال بعض العارفين : الاستغفار باللسان توبة الكذابين اهـ.

وقال أبو عبد الله القرطبي في تفسيره: قال علماؤنا: الاستغفار المطلوب هو الذي يحل عقد الإصرار، ويثبت معناه في الجنان، لا التلفظ باللسان. فأما من قال بلسانه: أستغفر الله، وقلبه مصر على معصيته فاستغفاره ذلك يحتاج إلى استغفار، وصغيرته لاحقة بالكبائر. وروي عن الحسن البصري أنه قال: استغفارنا يحتاج إلى استغفار اهـ.

ونقل ذلك الرملي في فتاويه ثم قال: هذا يقوله في زمانه، فكيف في زماننا هذا الذي يرى فيه الإنسان مكبا على الظلم حريصا عليه والسبحة في يده زاعما أنه يستغفر من ذنبه، وذلك استهزاء منه واستخفاف، وفي التنزيل {ولا تتخذوا آيات الله هزوا} اهـ.

وهذا كله في من يتوب أو يستغفر من الذنب وهو ينوي معاودته والرجوع إليه ويعزم على ذلك، وأما من فعل ذلك وهو لا ينوي المعاودة ولا يعزم عليها، ولكنه يخاف من ذلك لسوء ظنه بنفسه وعلمه بضعف حاله، وهو مع ذلك يرجو رحمة ربه أن يثبته ويعينه على الاستقامة، فإن عاد إلى الذنب عاد إلى التوبة والاستغفار، وهكذا، فهذا أهل للرحمة والمغفرة، ولا يصح وصفه بالإصرار على الذنب. بل قد يكون حاله حال المحب المحبوب.

قال القرطبي في (المفهم): العود إلى الذنب وإن كان أقبح من ابتدائه؛ لأنه انضاف إلى الذنب نقض التوبة، فالعود إلى التوبة أحسن من ابتدائها؛ لأنها انضاف إليها ملازمة الإلحاح بباب الكريم وأنه لا غافر للذنوب سواه اهـ. وراجع في هذا المعنى الفتويين: 111852، 112268.

وأما مسألة الأمن من مكر الله تعالى، فلا يكون المذنب أو المستغفر بلسانه آمنا من مكر الله إلا إذا فعل الذنب غير مبال بربه ولا خائفا من عقابه، وأثر الأمن من مكر الله يظهر في استمراء المعاصي والاسترسال معها اتكالا على عفو الله ورحمته، قال ابن حجر الهيتمي في (الزواجر): الأمن من مكر الله بالاسترسال في المعاصي مع الاتكال على الرحمة اهـ.

وقال الشيخ الغنيمان في (شرح كتاب التوحيد): الأمن من مكر الله معناه: أن يتهاون بأمر الله ويستصغره ولا يهتم به، ولا يخاف من عقاب الله جل وعلا لو فعل ما نهى عنه اهـ. وقال في موضع آخر: الأمن من مكر الله هو أن يعمل الإنسان المعاصي ولا يخاف من عقاب الله. اهـ.

وقال الشيخ الراجحي في (شرح العقيدة الطحاوية): الأمن من مكر الله هو عدم الخوف من الله ومن عقوبته فيسترسل في المعاصي ويأمن مغبتها وإثمها وشرها. اهـ.

وراجع في حكم الغناء وآثاره الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 123856، 987،5679 .

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني