الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

شروط جواز الإقامة في بلاد الكفار

السؤال

ملاحظة: سألت مثل هذا السؤال من قبل، ولكن لم توضحوا لنا معنى المحافظة على الدين في الغرب، فأرجو منكم البيان والتدقيق لنا لمعنى المحافظة على الدين التي تجيز الإقامة في الغرب وإن أمكن تعداد، أو تفصيل الأشياء التي تكفي المحافظة عليها، فالمحافظة على الدين موضوع عام وهام ويعترضنا كثيرا فأرجو بيانه بيانا شافيا ولكم الأجر، فأنا لا أستطيع شراء، أو كراء أي شيء، أو مزاولة أي تجارة بدون تأمين تجاري محرم، وباستطاعتي فعل ذلك في بلد إسلامي لا يشترط فيه التأمين التجاري على المحل، أو التجارة، وأستطيع أن أعمل عملا آخر، ولكني أرغب في التجارة، وأريد أن يطمئن قلبي، أو أنصرف لعمل آخر ولا ضير إن شاء الله.
وبارك الله فيكم وشكر لكم.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فقد تقدم في الفتوى رقم 140658شيء من جواب هذا السؤال ونفيد السائل هنا بجواب فضيلته العلامة الشيخ ابن عثيمين ـ رحمه الله ـ عن حكم الإقامة في بلاد الكفار ـ فأجاب بقوله: الإقامة في بلاد الكفار خطر عظيم على دين المسلم وأخلاقه وسلوكه وآدابه, وقد شاهدنا وغيرنا انحراف كثير ممن أقاموا هناك فرجعوا بغير ما ذهبوا به, رجعوا فساقا, وبعضهم رجع مرتدا عن دينه وكافرا به وبسائر الأديان ـ والعياذ بالله ـ حتى صاروا إلى الجحود المطلق والاستهزاء بالدين وأهله السابقين منهم واللاحقين, ولهذا كان ينبغي، بل يتعين التحفظ من ذلك ووضع الشروط التي تمنع من الهوي في تلك المهالك, فالإقامة في بلاد الكفر لا بد فيها من شرطين أساسيين:

الشرط الأول: أمن المقيم على دينه بحيث يكون عنده من العلم والإيمان وقوة العزيمة ما يطمئنه على الثبات على دينه والحذر من الانحراف والزيغ, وأن يكون مضمرا لعداوة الكافرين وبغضهم مبتعدا عن موالاتهم ومحبتهم, فإن موالاتهم ومحبتهم مما ينافي الإيمان، قال الله تعالى: لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ { المجادلة:22}.

وقال تعالى: يأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ * فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ { المائدة:51-52}.

وثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم: أن من أحب قوما فهو منهم, وأن المرء مع من أحب. ومحبة أعداء الله من أعظم ما يكون خطرا على المسلم، لأن المرء مع من أحب، ومحبة أعداء الله من أعظم ما يكون خطرا على المسلم، لأن محبتهم تستلزم موافقتهم واتباعهم, أو على الأقل عدم الإنكار عليهم, ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: من أحب قوما فهو منهم.

الشرط الثاني: أن يتمكن من إظهار دينه بحيث يقوم بشعائر الإسلام بدون ممانع, فلا يمنع من إقامة الصلاة والجمعة والجماعات إن كان معه من يصلي جماعة ومن يقيم الجمعة, ولا يمنع من الزكاة والصيام والحج وغيرها من شعائر الدين, فإن كان لا يتمكن من ذلك لم تجز الإقامة لوجوب الهجرة حينئذ, قال في المغني في الكلام على أقسام الناس في الهجرة: أحدها من تجب عليه, وهو من يقدر عليها ولا يمكنه إظهار دينه, ولا تمكنه إقامة واجبات دينه مع المقام بين الكفار, فهذا تجب عليه الهجرة، بقوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا ـ النساء: 97ـ وهذا وعيد شديد يدل على الوجوب, ولأن القيام بواجب دينه واجب على من قدر عليه, والهجرة من ضرورة الواجب وتتمته, وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب. اهـ .

وفي هذا بيان لما يحصل به معنى المحافظة على الدين, الذي يستفسر عنه السائل, فإن هذا لا يتحقق إلا بوصف في المسافر، أو المقيم نفسه, ووصف في بلد الإقامة, فالأول بأن يكون عنده من العلم والإيمان وقوة العزيمة ما يطمئنه على الثبات على دينه.

والثاني: بأن تكون الأنظمة الحاكمة والأعراف السائدة في بلد الإقامة لا تحول بين المسلم وبين إقامة شعائر دينه كصلاة الجمع والجماعات والأعياد ورفع الأذان, وارتداء الحجاب بالنسبة للمرأة المسلمة، فباجتماع هذين الوصفين ينتفي وجوب الهجرة من بلد الكفر, ويبقى الاستحباب, وراجع لمزيد الفائدة الفتاوى التالية أرقامها: 93216، 2007, 122309, 105729.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني