الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الترغيب في الدعوة إلى الله والتحذير من الفتوى بغير علم

السؤال

أنا شاب مبتعث، أقرأ العديد من الكتب الدينية في السيرة والحديث والفقه، ولدي اطلاع على العديد من الفتاوى، وأحاول أن أدعو للإسلام ولكن كثيرا ما تعرض لي أسئلة عن الإسلام لا أعرف الجواب الكافي فيها، ولكنني أجيب بما أعرف، وأجيب المسلمين وغير المسلمين، وأعرف من الفتاوى المتفرقة فلا أتبع مذهبا معينا من المذاهب الأربعة، بل أجيب بما أتذكر من أي منها، فما رأي سماحتكم؟ وما رأي سماحتكم إذا سألني شخص عن شيء فأجبته بقولي حرام بناء على أنني رأيت فتوى بتحريمه أو شيء معلوم تحريمه؟ وهل هذا يدخل في حكم الفتوى؟.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فهنيئا لك بالاهتمام بالعلم الشرعي وبالدعوة إلى الله تعالى، وننصحك بمواصلة التعلم لتكون على بصيرة مما تقوله، وبالحرص على الدعوة للإسلام من دون أن تتعرض لما لا تستطيع الكلام فيه من الأمور التي تحتاج لنقاش، فربما تضعف حجتك أمام الخصم أو المستشكل فيكون ذلك سببا في عدم اقتناعه بأحقية دين الإسلام، واحذر من القول على الله تعالى بغير علم، والاستعجال في التصدر للفتوى فهو سبب للضلال، والافتراء على الله، وإن الفتيا بغير علم من أكبر الكبائر وأعظم الذنوب، ولقد جعل الله ذلك قرين الشرك به، فقال تعالى: قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْأِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ {لأعراف:33}. وقال سبحانه أيضاً: وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ {النحل:116}.

وفي الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من الناس، ولكن بقبض العلماء حتى إذا لم يبق عالما اتخذ الناس رؤوساء جهالا، فسئلوا فأفتوا بغير علم، فضلوا وأضلوا.

وهذا ما استوعبه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم والسلف الصالح ـ رضوان الله عليهم ـ فكانوا مع حرصهم على هداية الناس وايصال الخير إليهم ـ يتحرجون من الفتوى ويتهربون منها، وكان بعضهم يحيلها إلى بعض، وربما عادت إلى الأول، وكان أكثر ما يحملهم على الفتوى هو الخوف من كتمان العلم المذموم في كتاب الله وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، وانظر الفتوى رقم: 14585، فإن فيها مزيد بيان.

وأما إخبارك بتحريم شيء بناء على مارأيت في فتوى تنص على تحريمه فلا حرج فيه، ولا يعد هذا إفتاء منك إذا كنت إنما تخبر بما اطلعت عليه من كلام أهل العلم، وعليك أن تتحرى في الفتوى أن تكون صادرة من المصادر والجهات المعتبرة الموثوقة، وأما أن تستنبط أنت من الفتوى وترى شبه حال السائل الذي سألك بحال صاحب الفتوى السابقة فلا نراه سائغا، لأنه قد يكون هناك فرق بين المسائل لا تدركه، وتخريج مسألة حاضرة على مسألة أخرى أفتى فيها بعض العلماء قديما تسمى عند أهل العلم بتخريج المسائل، ولا بد فيها من العلم فقد ذكروا من مراتب الاجتهاد مجتهد التخريج، والتخريج نوع من الاستنباط ومعناه عندهم استخراج الحكم بالتفريع على نص الإمام في صورة مشابهة، أو على أصول إمام المذهب، وقال السقاف من الشافعية ما حاصله: إن التخريج أن ينقل فقهاء المذهب الحكم من نص إمامهم في صورة إلى صورة مشابهةٍ.. انتهى ملخصاً من الموسوعة الفقهية.

واعلم أنه لا يلزم الاقتصار على مذهب واحد إن لم يكن الدافع للتنقل بين المذاهب هو تتبع الرخص، فقد ذهب كثير من العلماء إلى أن العامي له أن يقلد من شاء من أهل العلم ممن يوثق بعلمه وورعه، من غير قصد تتبع الرخص، قال القرافي ـ رحمه الله: قاعدة: انعقد الإجماع على أن من أسلم فله أن يقلد من شاء من العلماء بغير حجر، وأجمع الصحابة ـ رضوان الله عليهم ـ على أن من استفتى أبا بكر وعمر ـ رضي الله عنهما ـ أو قلدهما فله أن يستفتي أبا هريرة ومعاذ بن جبل وغيرهما ويعمل بقولهم من غير نكير، فمن ادعى رفع هذين الإجماعين فعليه الدليل. انتهى.

وجاء في المسودة لآل تيمية ـ رحمهم الله ـ ما مختصره: مسألة: للعامي أن يقلد في الفروع أي المجتهدين شاء ولا يلزمه أن يجتهد في أعيان المجتهدين في قول القاضي وأبي الخطاب وجماعة من الفقهاء، وذكر القاضي وأبو الخطاب أنه ظاهر كلام أحمد، كما ذكر القاضي أن العامي يتخير بين المفتين ولا يلزمه الاجتهاد، وقال ابن عقيل: لا يتخير، بل يلزمه الاجتهاد في أعيان المفتين الأدين والأورع ومن يشار إليه أنه الأعلم، وأخذ أصحابنا أن له أن يقلد من شاء من أهل الاجتهاد من قوله في رواية الحسن بن زياد وقد سأله عن مسألة في الطلاق فقال: إن فعل حنث، فقال له يا أبا عبد الله: إن أفتاني إنسان يعني أنه لا يحنث، فقال: تعرف حلقة المدنيين حلقة بالرصافة فقال: له إن أفتوني به حل؟ قال: نعم، قال: وهذا يدل على أن العامي يخير في المجتهدين. انتهى.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني