الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم إطلاق لفظ الوالد على العالم أو الكبير

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته اشتهر في الوقت الحالي إطلاق لقب والد على علماء الدين الإسلامي كبار السن والعلم والمقام فهل إطلاق هذا اللفظ يجوز مع ملاحظة الآتي: أن النصاري يطلقون لفظ البابا على علمائهم الكبار في العلم والمقام ولم يرد عن الرسول صلى الله علية وسلم أو الصحابة أو التابعين أو السلف إطلاق لفظ الوالد الأب على العلماء. ولو كان لأحد أن يلقب بالوالد لما كان أحق بها من رسول الله الذي قال ربنا فيه : "ما كان محمدٌ أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله إليكم".برجاء الإجابة.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:

فلا مانع من إطلاق هذا اللفظ على الكبير -عالماً كان أو غيره- فهو من قبيل المجاز الصحيح في اللغة، وهو سائغ أيضاً من حيث المعنى، وجائز من حيث الشرع، يقول الله تعالى: (قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ) [البقرة:133].
وإسماعيل من أعمامه لا من آبائه.
وقد سئل ابن الصلاح عن مسألة في الأبوة: هل يجوز أن يطلق في الكتاب العزيز والحديث الصحيح الأب من غير صلب...؟ ونرى مشايخ الطرقية يسمونهم أبا المريدين فيجب بيان هذا من الكتاب العزيز والحديث الصحيح.
فأجاب رحمه الله قال الله تعالى: (قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ) وإسماعيل من أعمامه لا من آبائه، وقال سبحانه: (وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ) وأمه قد كان تقدم وفاتها قالوا: والمراد خالته، ففي هذا استعمال الأبوين من غير ولادة حقيقة وهو مجاز صحيح في اللسان العربي، وإجراء ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم والعالم والشيخ... سائغ من حيث اللغة والمعنى، وأما من حيث الشرع، فقد قال الله سبحانه وتعالى: (مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ).
وفي الحديث: "إنما أنا لكم بمنزلة الوالد أعلِّمكم" فذهب بعض علمائنا إلى أنه لا يقال فيه صلى الله عليه وسلم إنه (أبو المؤمنين) وإن كان يقال في أزواجه (أمهات المؤمنين) وحجته ما ذكرت، فعلى هذا يقال هو مثل الأب، أو كالأب، أو بمنزلة أبينا، ولا يقال هو: أبونا، أو والدنا.
ومن علمائنا من جوزه وأطلق هذا أيضاً، وفي هذا للمحقق مجال بحث يطول، والأحوط التورع والتحرز عن ذلك. انتهى.
وقال النووي رحمه الله: هل يقال للنبي صلى الله عليه وسلم أبو المؤمنين؟ فيه وجهان لأصحابنا: أصحهما عندهم الجواز وهو نص الشافعي أنه يقال أبو المؤمنين أي في الحرمة، ومعنى الآية: (مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ) [الأحزاب:40]. لصلبه. . ا.هـ من معجم المناهي اللفظية لبكر أبو زيد .
وهذا الخلاف في حق النبي صلى الله عليه وسلم هل يقال له أبو المؤمنين أم لا؟
وأما كبير السن، سواء أكان عالماً أم لا، فلم نر من خالف في جواز إطلاق الوالد عليه تعظيماً وتبجيلاً.
هذا؛ ولما كان إطلاق هذا اللقب على كبار السن من أهل العلم والفضل من باب التشريف والتوقير كان ممدوحاً مرغباً فيه شرعاً، ففي الحديث: "إن من إجلال الله إكرام ذي الشيبة المسلم" رواه أبو داود.
ولا يعد المنادي لهم بهذا كاذبا، لأنه إما أن يقوله تشريفاً، وقد سبق حكمه، أو تعريفاً، فيكون قصده حينئذ مجرد التعريف لا حقيقة مدلوله.
وأما ما أورده السائل من إيرادات على استعمال هذا اللقب، فغير مسلَّم له، فقوله: إن النصارى يطلقون لفظ (البابا) على علمائهم، فليس في هذا إشكال، فنحن لا نقول بابا، وإنما نقول في مقام التعريف الوالد فلان، أو الأب فلان.
ثم إن البابا عندهم لقب ثابت لمن يتولى رئاسة الكنيسة، ونحن إنما نقول ذلك -كما مر- في مقام التعريف والتشريف، ثم لو فرضت المشابهة، فهي من باب الاشتراك في الألفاظ، ولا يلزمنا أن نترك كل لفظ أو لقب شاركنا فيه غيرنا.
وأما أن السلف لم يستعملوا هذا في حق العالم الكبير، فدعوى غير صحيحة، بل ما زال المسلمون سلفاً وخلفاً ينادون كبير السن بالوالد والأب، وينادون الصغير بالولد والابن، ولو لم تكن هناك بنوة حقيقية أو أبوة حقيقية، وفي الحديث الصحيح عن أنس قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا بُنيِّ إذا دخلت على أهلك فسلم" رواه مسلم.
وأما قوله: لو كان لأحد... فقد سبق جوابه في كلام ابن الصلاح رحمه الله والنووي.
والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني