الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أحكام من قال(أي مال سيأتيني من الشركة سأخرج منه 15% كنوع من المتاجرة مع الله)

السؤال

عندي حوالي 37 سنة، ومن حوالي ثلاث سنين قررت أترك الشغل، وأفتح شركة برمجيات صغيرة، وكنت شغالا في شركة كبيرة جدا في مصر، ليس لديَّ شريك.
وفي البداية قلت لنفسي إن أيَّ فلوس ستأتي من الشركة سأخرج منها 15% كنوع من المتاجرة مع الله، وقلت هذا لنفسي أكثر من مرة، لكن لا أعرف إذا كنت قلت من الربح أو من إجمالي الفلوس التي ستدخل، بغض النظر عن المشروع نجح أو لا، ويأتي في بالى ساعات أني قلت لنفسي أني سأخرج من إجمالي المبلغ بغض النظر عن الربح، وكان عندي قناعة دائما أني سأخرج 15% من إجمالي المبلغ بغض النظر عن المشروع والربح.
وبالفعل بدأت الشركة، وأنا مقرر أن أيَّ فلوس ستأتي من الشركة بغض النظر عن الأرباح سأخرج منها 15% من إجمالي المبلغ، وبدأت كل ما تأتي فلوس أخرج 15%.
بعد فترة كان عندي صراع نفسي كبير جدا؛ لأن الرقم الذي يخرج كبير بالنسبة لحجم المشروع من وجهة نظري؛ لأنه أحيانا كان المشروع يكون رابحا جدا، وأحيانا لا يكون رابحا، بالعكس ممكن أصرف عليه، بالإضافة إلى الأيدي العاملة. وكل فترة أقول لنفسي: أنت تخرج شيئا لله أكيد ربنا سيعوضك خيرا، وأحاول أبرر لنفسي أنه لا توجد أرباح، وفي بعض الأحيان كنت أخرج الفلوس وأنا متضايق.
سألت شيخا عن هذا الموضوع، ولم أشرح بالتفصيل مثل الآن, فقال لي أني ممكن أعمل كفارة يمين، وأحضر وجبات لعشرة مساكين، وبذلك أتحلل من هذا النذر, وبالفعل عملت هكذا من حوالي سبعة شهور تقريبا.
أحيانا لا تربح الشركة وأشعر أن ذلك بسبب توقفي عن إخراج الـ 15%، فهل أخرجها مرة أخرى. بارك الله فيكم

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فقول المرء لنفسه نطقا: (أي مال سيأتيني من الشركة سأخرج منه 15% كنوع من المتاجرة مع الله) ليس صريحا في النذر، وإنما هو كناية، والنذر لا ينعقد بألفاظ الكناية إلا مع الجزم بنية النذر. فإن كان السائل نوى بذلك النذر فهو نذر يجب الوفاء به، وإن كان نوى مجرد التقرب إلى الله بذلك، دون نية النذر، فليس هذا بنذر واجب الوفاء، وإنما هو نية ورغبة في عمل صالح، فإن لم يفعل فلا إثم عليه.

وأما الأجر والثواب فهو حاصل في كلا الحالين، على هذا المال الذي أخرجه صاحبه تقربا إلى الله تعالى. وانظر الفتاوى: 102449، 340708، 136651.

والنذر إذا انعقد لا بد من الوفاء به، إلا في حال العجز، فإن عجز عنه صاحبه كَفَّر عنه كفارة يمين؛ لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: كفارة النذر كفارة اليمين. رواه مسلم. وراجع تفصيل ذلك في الفتوى: 295036.

وأما إخراج هذه النسبة، وهل يكون من إجمالي المال، أو من الربح وحده؟ فهذا يكون بحسب لفظه، وإلا فبحسب نيته عندما تكلم بذلك. وإن لم يُعيِّن شيئا لا بلفظه ولا بنيته، فالحمل على الغالب من حال السائل أو من العرف إن وُجِد، وإلا فالأصل براءة الذمة، فلا يجب إلا الأقل - وهو الربح - لأنه المتيقن، وانظر الفتوى: 139634.

وأما ما ذكره السائل عن حال شركته في الشهور الأخيرة، فإن كان قد جزم بنية النذر في كلامه المذكور، وانعقد نذره بذلك، ثم لم يَفِ به مع القدرة عليه، فقد يكون ذلك سببا لهذه الحال. وأما إن لم ينعقد نذرا لعدم النية، أو انعقد وعجز عن الوفاء به، فلا تكون هذه الحال عقوبةً على ذلك.

والفقر وضيق الرزق قد يبتلي الله به بعض عباده؛ ليرى صبرهم، وحسن ظنهم به، وتوكلهم عليه، ولجوءهم إليه، وتضرعهم بين يديه. ونسأل الله تعالى أن ييسر أمرك، وأن يكفيك من فضله.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني