[ مقدمات الباب ] [ ص: 180 ] الباب الثامن .
. فيما يناط بالأئمة والولاة من أحكام الإسلام
مقدمات الباب .
263 - ليعلم طالب الحق وباغي الصدق أن مطلوب الشرائع من الخلائق ، على تفنن الملل والطرائق ، والاستمساك بالدين والتقوى ، والاعتصام بما يقربهم إلى الله زلفى ، والتشمير لابتغاء ما يرضي الله تقدس وتعالى ، والاكتفاء ببلاغ من هذه الدنيا ، والندب إلى الانكفاف عن دواعي الهوى ، والانحجاز عن مسالك المنى ، ولكن الله تعالى فطر الجبلات على التشوف والشهوات ، وناط بقاء المكلفين ببلغة وسداد ، فتعلقت التكاليف من هذه الجملة بالمحافظة على تمهيد المطالب والمكاسب ، وتمييز الحلال من الحرام ، وتهذيب مسالك الأحكام على فرق الأنام ، فجرت الدنيا من الدين مجرى [ ص: 181 ] القوام ، والنظام من الذرائع إلى تحصيل مقاصد الشرائع .
264 - ومن العبارات الرائقة الفائقة المرضية في الإعراب عن المقاصد الكلية في القضايا الشرعية : أن مضمونها دعاء إلى مكارم الأخلاق ندبا واستحبابا ، وحتما وإيجابا ، والزجر عن الفواحش وما يخالف المعالي ، تحريما وحظرا ، وكراهية تبين عيافة وحجرا ، وإباحة تغني عن الفواحش ، كإباحة النكاح المغني عن السفاح ، أو تعين على الطاعة ، وتعضد أسباب القوة والاستطاعة .
265 - ثم لما جبلت النفوس على حب العاجل ، والتطلع إلى الضنة بالحاصل ، والتعلق في تحصيل الدنيا بالوصائل والوسائل ، والاستهانة بالمهالك والغوائل ، والتهالك على جمع الحطام من غير تماسك وتمالك ; وهذا يجر التنافس والازدحام ، والنزاع والخصام ، واقتحام الخطوب العظام ، فاقتضى الشرع فيصلا بين الحلال والحرام ، وإنصافا وانتصافا بين طبقات الأنام ، وتعليق [ ص: 182 ] الإقدام على القرب والطاعات بالفوز بالثواب ، فيربط اقتحام الآثام بالعقاب .
266 - ثم لم ينحجز معظم الناس عن الهوى بالوعد والوعيد ، والترغيب والتهذيب ، فقيض الله السلاطين وأولي الأمر وازعين ، ليوفروا الحقوق على مستحقيها ، ويبلغوا الحظوظ ذويها ، ويكفوا المعتدين ، ويعضدوا المقتصدين ، ويشيدوا مباني الرشاد ، ويحسموا معاني الغي والفساد ، فتنتظم أمور الدنيا ، ويستمد منها الدين الذي إليه المنتهى .
267 - وما ابتعث الله نبيا في الأمم السالفة حتى أيده وعضده بسلطان ذي عدة ونجدة ، ومن الرسل - عليهم السلام - من اجتمعت له النبوة والأيد والقوة كداود وموسى وسليمان - صلوات الله عليهم أجمعين .
ولما اختتم الله الرسالة في العالم بسيد ولد آدم أيده بالحجة البيضاء ، والمحجة الغراء ، وشد بالسيف أزره ، وضمن إظهاره ونصره ، وجعله إمام الدين والدنيا ، وملاذ الخلق في الآخرة والأولى ، ثم [ ص: 183 ] أكمل الله الدين واختتم الوحي ، فاستأثر برسوله سيد النبيين ، فخلفه ليدعو إلى الله دعاه ، ويقرر من مصالح الدنيا ومراشدها ، وينتحي في استصلاح العباد انتحاه . أبو بكر الصديق
268 - وغرضنا من تقديم هذه المقدمة توطئة طرق الأفهام إلى ما يتعلق من الأحكام بالإمام .
فالقول الكلي : أن الغرض استيفاء قواعد الإسلام طوعا أو كرها ، والمقصد الدين ، ولكنه لما استمد استمراره من الدنيا ، كانت هذه القضية مرعية ، ثم المتعلق بالأئمة الأمور الكلية .
ونحن الآن - بعد هذا الترتيب - نذكر نظر الإمام في الأمور المتعلقة بالدين ، ثم نذكر نظره في الدنيا ، وبنجاز القسمين يحصل الغرض الأقصى مما يتعلق بالأئمة والورى .