الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 48 ] ذكر صفة بدء الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم  

أخبرنا محمد بن الحسن بن قتيبة بعسقلان، ثنا ابن أبي السري، ثنا عبد الرزاق، أنا معمر، عن الزهري، أخبرني عروة بن الزبير، عن عائشة ، قالت: أول ما ابتدئ به رسول الله صلى الله عليه وسلم من [ ص: 49 ] الوحي الرؤيا الصادقة يراها في النوم، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح، ثم حبب إليه الخلاء، فكان يأتي حراء فيتحنث فيه، وهو التعبد الليالي ذوات العدد، ويتزود لذلك، ثم يرجع إلى خديجة فتزوده لمثلها حتى فجأه الحق، وهو في غار حراء، فجاءه الملك فيه، فقال: اقرأ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فقلت: ما أنا بقارئ، قال: فأخذني فغطني حتى بلغ مني الجهد، ثم أرسلني، فقال لي: اقرأ، فقلت: ما أنا بقارئ، فأخذني فغطني الثانية حتى بلغ مني الجهد، ثم أرسلني، فقال: اقرأ، فقلت: ما أنا بقارئ، فأخذني فغطني الثالثة حتى بلغ مني الجهد، ثم أرسلني، فقال: " اقرأ باسم ربك الذي خلق " حتى بلغ " ما لم يعلم "، قال: فرجع بها ترجف فؤاده حتى دخل على خديجة، فقال: زملوني زملوني، فزملوه حتى ذهب عنه الروع، ثم قال: يا خديجة ما لي؟ وأخبرها الخبر، وقال: قد خشيت علي، فقالت: كلا، أبشر فوالله لا يخزيك الله أبدا، إنك لتصل الرحم، وتصدق الحديث، وتحمل الكل، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق، ثم انطلقت به خديجة [ ص: 50 ] حتى أتت به إلى ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزى بن قصي، وهو عم خديجة أخو أبيها، وكان امرأ تنصر في الجاهلية، وكان يكتب الكتاب العربي، يكتبه بالعربية من الإنجيل ما شاء أن يكتب، وكان شيخا كبيرا قد عمر، فقالت له خديجة: أي عم، اسمع من ابن أخيك، فقال ورقة: يا ابن أخي، ما ترى؟ فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم بما رأى، فقال ورقة: هذا الناموس الذي أنزل على موسى، يا ليتني أكون فيها جذعا، يا ليتني أكون حيا حين يخرجك قومك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أمخرجي هم؟ قال: نعم، لم يأت أحد بمثل ما جئت به إلا عودي، وأوذي، وإن يدركني يومك أنصرك نصرا مؤزرا، ثم لم ينشب ورقة أن توفي، وفتر الوحي فترة حتى حزن رسول الله صلى الله عليه وسلم حزنا غدا منه مرارا لكي يتردى من رؤوس شواهق الجبال، فكلما أوفى بذروة جبل كي يلقي نفسه منها فيرى له جبريل، فقال له: يا محمد، إنك رسول الله حقا، فيسكن لذلك جأشه، وتقر نفسه فيرجع، فإذا طال عليه فترة [ ص: 51 ] الوحي غدا لمثل ذلك، فإذا أوفى بذروة الجبل تبدى له جبريل، فيقول له مثل ذلك .

قال أبو حاتم: روي في بدء الوحي عن النبي صلى الله عليه وسلم خبران: خبر عن عائشة، وخبر عن جابر. فأما خبر عائشة فقد ذكرناه، وأما خبر جابر فحدثناه عبد الله بن محمد بن سالم ببيت المقدس، ثنا عبد الرحمن بن إبراهيم، ثنا الوليد، عن الأوزاعي، عن يحيى بن أبي كثير، قال: سألت أبا سلمة بن عبد الرحمن : أي القرآن أنزل أول؟ قال: " يا أيها المدثر "، فقلت: أو " اقرأ "؟ قال: إني أحدثكم ما حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: جاورت بحراء شهرا، فلما قضيت جواري نزلت، فاستبطنت الوادي، فنوديت فنظرت أمامي وخلفي، وعن يميني وعن شمالي، فلم أر أحدا، ثم نوديت فنظرت إلى السماء، فإذا هو فوقي على العرش في السماء، فأخذتني رجفة شديدة، فأتيت خديجة فأمرتهم فدثروني، ثم صبوا علي الماء، وأنزل الله عز وجل علي " يا أيها المدثر " إلى قوله " فطهر " .

[ ص: 52 ] قال أبو حاتم: هذان خبران أوهما من لم يكن الحديث صناعته أنهما متضادان، وليس كذلك، إن الله عز وجل بعث رسوله صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين، وهو ابن أربعين سنة، ونزل عليه جبريل، وهو في الغار بحراء ب " اقرأ باسم ربك الذي خلق "، فلما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بيت خديجة ودثروه، أنزل الله عليه في بيت خديجة: يا أيها المدثر قم فأنذر وربك فكبر من غير أن يكون بين الخبرين تضاد، ولا تهاتر، فكان أول من آمن برسول الله صلى الله عليه وسلم:  زوجته خديجة بنت خويلد، ثم آمن علي بن أبي طالب، وصدقه بما جاء به، وهو ابن عشر سنين، ثم أسلم أبو بكر الصديق، فكان علي بن أبي طالب يخفي إسلامه من أبي طالب، وأبو بكر لما أسلم أظهر إسلامه، فلذلك اشتبه على الناس أول من أسلم منهما، ثم أسلم زيد بن حارثة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان أبو بكر أعلم قريش بأنسابها، وبما كان فيها من خير وشر، وكان رجلا سهلا بليغا أظهر الإسلام، ودعا إلى الله وإلى رسوله،  فأجابه عثمان بن عفان، والزبير بن العوام، وعبد الرحمن بن عوف، وسعد بن أبي وقاص، وطلحة [ ص: 53 ] ابن عبيد الله فجاء بهم أبو بكر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حين استجابوا له فأسلموا، وصلوا، ثم أسلم أبو عبيدة بن الجراح، وأبو سلمة بن عبد الأسد المخزومي، والأرقم بن أبي الأرقم المخزومي، وعثمان بن مظعون الجمحي، وعبيدة بن الحارث بن المطلب بن عبد مناف، وسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل، وامرأته فاطمة بنت الخطاب، وأسماء بنت أبي بكر، وعبد الله وقدامة ابنا مظعون الجمحيان، وخباب بن الأرت، ومسعود بن الربيع القاري، وعبد الله بن مسعود، وعمير بن أبي وقاص، وسليط بن عمرو، وعياش بن أبي ربيعة المخزومي، وامرأته أسماء بنت سلامة التميمية، وعامر بن ربيعة أبو عبد الله، وعبد الله بن جحش، وأبو أحمد بن جحش الأسدي، وجعفر بن أبي طالب، وامرأته أسماء بنت عميس الخثعمية، وحاطب بن الحارث الجمحي، وامرأته فاطمة بنت المجلل، وحطاب بن الحارث، وامرأته فكيهة، وصهيب بن سنان، [ ص: 54 ] ومعمر بن الحارث الجمحي، وسعيد بن الحارث السهمي، والمطلب بن أزهر بن عبد عوف، وامرأته رملة بنت أبي عوف، والنحام، واسمه نعيم بن عبد الله بن أسيد، وبلال بن رباح مولى أبي بكر، وعامر بن فهيرة مولى أبي بكر، وخالد بن سعيد بن العاص، وامرأته أميمة بنت خلف بن أسعد، وحاطب بن عمرو بن عبد شمس، وأبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة، وواقد بن عبد الله بن عبد مناف بن عرين بن ثعلبة التميمي، وخالد بن البكير، وإياس بن البكير، وعامر بن البكير، وعبد ياليل بن ناشب بن غيرة بن سعد بن ليث بن بكر بن عبد مناة بن كنانة، وعمار بن ياسر حليف بني مخزوم.

التالي السابق


الخدمات العلمية