وبعث العمال على الأمصار : فبعث على عثمان بن حنيف البصرة أميرا ، وعمارة بن حسان بن شهاب على الكوفة ، وعبيد الله بن عباس على اليمن ، على وقيس بن سعد مصر ، وسهل بن حنيف على الشام ، فأما فإنه خرج حتى إذا كان بتبوك لقيه خيل من سهل بن حنيف أهل الشام فقالوا له : من أنت ؟ قال : أمير . قالوا : على أي شيء ؟ قال : على الشام . قالوا : إن كان عثمان بعثك فحي هلا بك ، وإن كان بعثك غيره فارجع ، قال : ما سمعتم بالذي كان ؟ قالوا : بلى ، ولكن ارجع إلى بلدك ، فرجع إلى علي وإذا القوم أصحاب .
وأما قيس بن سعد ; فإنه انتهى إلى أيلة فلقيه طلائع فقالوا له : من أنت ؟ فقال : أنا من الأصحاب الذين قتلوا وشردوا من البلاد ، فأنا أطلب مدينة آوي إليها ، فقالوا : ومن أنت ؟ قال : أنا ، فقالوا : امض بنا ، فمضى قيس حتى دخل قيس بن سعد بن عبادة مصر وأظهر لهم حاله ، وأخبرهم أنه ولي على مصر فافترق عليه أهل مصر فرقا : فرقة [ ص: 274 ] دخلت في الجماعة وبايعت ، وفرقة أمسكت واعتزلت ، وفرقة قالت : إن قيد من قتلة عثمان فنحن معه وإلا فلا ، فكتب قيس بن سعد بجميع ما رأى من أهل مصر إلى علي .
وأما فإنه خرج منطلقا إلى عبيد الله بن عباس اليمن ، لم يعانده أحد ولم يصده عنها صاد حتى دخلها ، فضبطها لعلي .
وأما عمارة بن حسان بن شهاب فإنه أقبل عامدا إلى الكوفة ، حتى إذا كان بزبالة لقيه طليحة بن خويلد الأسدي وهو خارج إلى المدينة يطلب دم عثمان ، فقال من أنت ؟ قال : أنا طليحة : عمارة بن حسان بن شهاب ، قال : ما جاء بك ؟ قال : بعثت إلى الكوفة أميرا ، قال : ومن بعثك ؟ قال : أمير المؤمنين علي ، قال : الحق بطيتك ، فإن القوم لا يريدون بأميرهم بدلا ، فرجع أبي موسى الأشعري عمارة إلى علي وأخبره الخبر ، وأقام طليحة بزبالة .
وأما فإنه مضى يريد عثمان بن حنيف ; البصرة وعليها وبلغ عبد الله بن عامر بن كريز ، أهل البصرة قتل عثمان ، فقام ابن عامر فصعد المنبر وخطب وقال : إن خليفتكم قتل مظلوما ، وبيعته في أعناقكم ، ونصرته ميتا كنصرته حيا ، واليوم ما كان أمس ، وقد بايع الناس عليا ، ونحن طالبون بدم عثمان ، فأعدوا للحرب عدتها ، فقال له حارثة بن قدامة : يا ابن عامر إنك لم تملكنا عنوة ، وقد قتل عثمان بحضرة المهاجرين والأنصار ، وبايع الناس عليا ، فإن أقرك أطعناك ، وإن عزلك عصيناك ، فقال ابن عامر : موعدك الصبح ، فلما أمسى تهيأ للخروج ، وهيأ مراكبه [ ص: 275 ] وما يحتاج إليه ، واتخذ الليل جملا يريد المدينة ، واستخلف عبد الله بن عامر الحضرمي على البصرة ، فأصبح الناس يتشاورون في ابن عامر وأخبروا بخروجه ، فلما قدم ابن عامر المدينة أتى طلحة والزبير فقالا له : لا مرحبا بك ولا أهلا ، تركت العراق والأموال ، وأتيت المدينة خوفا من علي ، ووليتها غيرك ، واتخذت الليل جملا ، فهلا أقمت حتى يكون لك بالعراق فئة ، قال ابن عامر : فأما إذا قلتما هذا فلكما علي مائة ألف سيف وما أردتما من المال .
ثم أتت أباها ، وكانت تحت أم كلثوم بنت علي فقالت له : إن عمر بن الخطاب ، رجل صالح ، وأنا أتكفل ما يجيء منه لك ، فلما كان من قدوم ابن عامر المدينة ، جاء عبد الله بن عمر إليها فقال : يا أماه ، إنك قد كفلت في ، وأنا أريد الخروج إلى العمرة الساعة ، ولست بداخل في شيء يكرهه أبوك ، غير أني ممسك حتى يجتمع الناس ، فإن شئت فأذني ، وإن شئت فابعثيني إلى أبيك ، قالت : لا بل اذهب في حفظ الله وتحت كنفه ، فانطلق ابن عمر معتمرا . ابن عمر
فلما أصبح الناس أتوا عليا فقالوا : قد حدث البارحة حدث هو أشد من طلحة والزبير ومعاوية ، قال علي : وما ذاك ؟ قالوا : خرج إلى ابن عمر الشام ، فأتى علي السوق ، وجعل يعد طلابا ليرد فسمعت [ ص: 276 ] ابن عمر ، بذلك ، فركبت بغلتها حتى أتت أباها ، فقالت : إن الأمر على غير ما بلغك ، وحدثته بما ذكر لها أم كلثوم فطابت نفس علي بذلك ، فما انصرفوا من السوق حتى جاءهم بعض القدام من العمرة وأخبروه أنهم رأوا ابن عمر ، وآخر معه على حمارين محرمين بكساءين . ابن عمر
ثم كتب علي إلى معاوية : بسم الله الرحمن الرحيم ، من عبد الله علي أمير المؤمنين إلى سلام عليك فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو ، أما بعد ، فإنه قد بلغك ما كان من مصاب معاوية بن أبي سفيان ، عثمان ، وما اجتمع الناس عليه من بيعتي فادخل في السلام كما دخل الناس ، وإلا فأذن بحرب كما يؤذن أهل الفرقة والسلام . وبعث كتابه مع سبرة الجهني والربيع بن سبرة ، فلما قدم سبرة بكتاب علي ودفعه إلى معاوية ، جعل يتردد في الجواب مدة ، فلما طال ذلك عليه ، دعا معاوية رجلا من عبس يدعى قبيصة فدفع إليه طومارا مختوما عنوانه : من إلى معاوية بن أبي سفيان وقال له : إذا دخلت علي بن أبي طالب ، المدينة فاقبض على أسفل الطومار وأبرزه ، وأوصاه بما يقول ، وبعثه مع سبرة رسول علي ، فقدما المدينة ، فرفع العبسي الطومار كما أمر معاوية ، فخرج الناس ينظرون إليه ، وعلموا حينئذ أن معاوية معترض معاند ، فلما دخلا على علي ، دفع إليه العبسي الطومار ، ففض عن خاتمه فلم يجد في جوفه شيئا ، فقال لسبرة : ما وراءك ؟ قال : تركت قوما لا يرضون إلا بالقود ، وقد تركت ستين ألف شيخ يبكون تحت قميص عثمان ، [ ص: 277 ] فقال علي : أمني يطلبون دم عثمان ؟
ثم كتب إلى وهو على أبي موسى الأشعري الكوفة : بسم الله الرحمن الرحيم ، من عبد الله علي أمير المؤمنين إلى عبد الله بن قيس الأشعري ، سلام عليك ، فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو ، أما بعد ، فإنه قد بلغك ما كان من مصاب عثمان ، وما اجتمع الناس عليه من بيعتي ، فادخل فيما دخل فيه الناس ، ورغب أهل ملكك في السمع والطاعة ، واكتب إلي بما كان منك ومنهم إن شاء الله ، والسلام عليك ورحمة الله وبركاته ، وبعث الكتاب مع معبد الأسلمي ، فلما قدم معبد الكوفة ، دعا الناس إلى طاعة أبو موسى الأشعري علي فأجابوه طائعين ، وكتب إلى : بسم الله الرحمن الرحيم ، لعبد الله علي بن أبي طالب علي أمير المؤمنين من عبد الله بن قيس سلام عليك ، فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو ، أما بعد ، فقد قرأت كتابك ، ودعوت من قبلي المسلمين فسمعوا وأطاعوا ، والسلام عليك ورحمة الله وبركاته . ودفع كتابه إلى معبد .
وكانت خرجت معتمرة ، فلما قضت عمرتها نزلت على باب المسجد واجتمع إليها الناس ، فقالت : أيها الناس ، إن الغوغاء من أهل الأمصار ، وعبيد أهل المدينة اجتمعوا على هذا الرجل المقتول بالأمس ظلما ، واستحلوا البلد الحرام ، وسفكوا الدم الحرام ، فقال عائشة عبد الله بن عامر : ها أنا ذا أول طالب بدمه ، فكان أول من انتدب لذلك .