الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ولما قتل عمار أتى عبد الله بن عمرو معاوية فقال : قتل عمار ، فقال عمرو بن العاص : قتل عمار ، فما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لعمار : تقتلك الفئة الباغية ، فقال معاوية : أنحن قتلناه ، إنما قتله أهل العراق ، جاءوا به فطرحوه في سيوفنا ورماحنا ، وقد قيل : إنه قتل بصفين سبعون ألفا : من أهل العراق خمسة وعشرون ألفا ، ومن [ ص: 292 ] أهل الشام خمسة وأربعون ألفا ، فلما اشتد البلاء بالفريقين ، وكثر بينهم القتلى قال عمرو بن العاص لمعاوية : إن هذا الأمر لا يزداد إلا شدة ، فهل لك إلى أمر لا يزداد القوم به إلا فرقة ، إن أعطونا اختلفوا وإن منعونا اختلفوا ، فقال معاوية : ما هو ؟ فقال : المصاحف نرفعها وندعوهم بما فيها ، فإنهم لا يقاتلون إلا على ما قد علمت ، فقال معاوية : افعل ما رأيت ، فأمر بالمصاحف فرفعت في الرماح ، ثم جعلوا ينادون : ندعوكم إلى كتاب الله والحكم بما فيه ، فسر الناس به ، وكرهوا القتال ، وأجابوا إلى الصلح ، وأنابوا إلى الحكومة ، وقالوا لعلي : إن القوم يدعونك إلى الحق ، وإلى كتاب الله ، فإن كرهنا ذلك فنحن إذا مثلهم ، فقال علي : ويحكم ما ذلك يريدون ولا يفعلون ، ثم مشى الناس بعضهم إلى بعض ، وأجابوا الصلح والحكومة ، وتفرقوا إلى دفن قتلاهم ، ولم يجد علي بدا من أن يقبل الحكومة لما رأى من أصحابه ،  فحكم أهل الشام عمرو بن العاص ، وأراد علي أن يحكم ابن عباس ، فقال الأشعث بن قيس وهو يومئذ سيد الناس : لا يحكم في هذا الأمر رجلان من قريش ، ولا افترق الفريقان على هذا الجمع على حكومة بعد أن كان من القتال بينهما ما كان إلا وأحد الحكمين منا ، وتبعه أهل اليمن على ذلك ، ثم قال الأشعث : لا نرضى إلا بأبي موسى الأشعري ، وكتبوا بينهم كتابي الصلح : [ ص: 293 ] بسم الله الرحمن الرحيم ، هذا ما تقاضى عليه علي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان ، قاضى علي على أهل العراق ومن كان معه من شيعته من المؤمنين ، وقاضى معاوية على أهل الشام ومن كان معه من شيعته من المسلمين ، أنا ننزل على حكم الله وكتابه ، فما وجد الحكمان في كتاب الله فهما يتبعانه ، وما لم يجدا في كتاب الله فالسنة العادلة تجمعهما ، وهما آمنان على أموالهما وأنفسهما وأهاليهما ، والأمة أنصار لهما على الذي يقضيان عليه ، وعلى المؤمنين والمسلمين - والطائفتان كلتاهما عليهما - عهد الله وميثاقه أن يفيا بما في هذه الصحيفة على أن بين المسلمين الأمن ووضع السلاح وعلى عبد الله بن قيس وعمرو بن العاص عهد الله وميثاقه ليحكما بين الناس بما في هذه الصحيفة على أن الفريقين جميعا يرجعان سنة ، فإذا انقضت السنة إن أحبا أن يردا ذلك ردا ، وإن أحبا زادا فيهما ما شاء الله ، اللهم إنا نستنصرك على من ترك ما في هذه الصحيفة .

وشهد على الصحيفة فريق عشرة أنفس ، فشهد من أصحاب علي : [ ص: 294 ] الأشعث بن قيس ، وعبد الله بن عباس ، وسعيد بن قيس الهمداني ، وحجر بن الأدبر الكندي ، وعبد الله بن الطفيل العامري ، وعبد الله بن محل العجلي ، ووقاء بن سمي البجلي ، وعقبة بن زيد الأنصاري ، ويزيد بن حجية التيمي ، ومالك بن أوس الرحبي .

وشهد من أهل الشام : أبو الأعور السلمي ، وحبيب بن مسلمة الفهري ، والمخارق بن الحارث الزبيدي ، وعلقمة بن يزيد الحضرمي ، وسبيع بن يزيد الحضرمي ، وزمل بن عمرو العذري ، ويزيد بن الحر العبسي ، وحمزة بن مالك الهمداني ، وعبد الرحمن بن خالد بن الوليد ، وعتبة بن أبي سفيان .

وكتب يوم الأربعاء سنة سبع وثلاثين .

فانصرف علي بمن معه من أهل العراق ، وانصرف معاوية بمن معه إلى الشام ، فقال عبد الله بن وهب الحرمي وكان من أصحاب علي : [ ص: 295 ] لا حكم إلا لله ، فقال علي : هذه كلمة حق أريد بها باطل ، فلما دخل علي الكوفة خرج من كان يقول : لا حكم إلا لله ، ونزلوا بحروراء وهم قريب من اثني عشر ألفا ، فسموا الحرورية ، ومناديهم ينادي : أمير القتال شبث بن ربعي التميمي ، والأمر بعد الفتح شورى ، والبيعة لله .

ومات خباب بن الأرت بالكوفة .

فخرج علي من صفين ، وولى علي سهل بن حنيف فارس ، فأخرجه أهل فارس ، فوجه زيادا فرضوا وصالحوه وأدوا إليه الخراج .

التالي السابق


الخدمات العلمية