يزيد بن معاوية أبو خالد
ثم تولى يزيد بن معاوية بن أبي سفيان يوم الخميس من شهر رجب في اليوم الذي مات فيه أبوه ، وكنية يزيد : أبو خالد ، وكان ليزيد بن معاوية يوم ولي أربع وثلاثون وشهر ، كانت أمه ميسون بنت بحدل بن أنيف بن ولجة بن قنافة الكلبي ، وكان نقش خاتمه : " آمنت بالله مخلصا " .
ولما بايع أهل الشام يزيد بن معاوية واتصل الخبر بالحسين بن علي جمع شيعته واستشارهم ، وقالوا : إن الحسن لما سلم الأمر لمعاوية [ ص: 307 ] سكت وسكت معاوية ، فالآن قد مضى معاوية ونحب أن نبايعك ، فبايعته الشيعة ، ووردت على الحسين كتب أهل الكوفة من الشيعة يستقدمونه إياها ، فأنفذ الحسين بن علي مسلم بن عقيل إلى الكوفة لأجل البيعة على أهلها ، فخرج مسلم بن عقيل من المدينة معه قيس بن مسهر الصيداوي يريدان الكوفة ، ونالهما في الطريق تعب شديد وجهد جهيد ، لأنهما أخذا دليلا تنكب بهما الجادة ، فكاد مسلم بن عقيل أن يموت عطشا إلى أن سلمه الله ودخل الكوفة ، فلما نزلها دخل دار المختار بن أبي عبيد ، واختلفت إليه الشيعة يبايعونه أرسالا ، ووالي الكوفة يومئذ ، ولاه النعمان بن بشير يزيد بن معاوية الكوفة ، ثم تحول مسلم بن عقيل من دار المختار إلى دار هانئ بن عروة ، وجعل الناس يبايعونه في دار هانئ حتى بايع ثمانية عشر ألف رجل من الشيعة ، فلما اتصل الخبر بيزيد بن معاوية أن مسلما يأخذ البيعة بالكوفة للحسين بن علي كتب يزيد بن معاوية إلى عبيد الله بن زياد وهو إذ ذاك بالبصرة وأمره بقتل مسلم بن عقيل أو بعثه إليه ، فدخل عبيد الله بن زياد الكوفة حتى نزل القصر واجتمع إليه أصحابه ، وأخبر عبيد الله بن زياد أن مسلم بن عقيل في دار هانئ بن عروة ، فدعا هانئا وسأله فأقر به ، فهشم عبيد الله وجه هانئ بقضيب كان في يده حتى تركه وبه رمق .
[ ص: 308 ] ثم ركب مسلم بن عقيل في ثلاثة آلاف فارس يريد عبيد الله بن زياد ، فلما قرب من قصر عبيد الله نظر فإذا معه مقدار ثلاثمائة فارس فوقف يلتفت يمنة ويسرة ، فإذا أصحابه يتخلفون عنه حتى بقي معه عشرة أنفس ، فقال : يا سبحان الله ! غرنا هؤلاء بكتبهم ثم أسلمونا إلى أعدائنا هكذا ، فولى راجعا فلما بلغ طرف الزقاق التفت فلم ير خلفه أحدا ، وعبيد الله بن زياد في القصر متحصن يدبر في أمر مسلم بن عقيل ، فمضى مسلم بن عقيل على وجهه وحده فرأى امرأة على باب دارها فاستسقاها ماء وسألها مبيتا ، فأجابته إلى ما سأل وبات عندها ، وكانت للمرأة ابن فذهب الابن وأعلم عبيد الله بن زياد أن مسلما في دار والدته ، فأنفذ عبيد الله بن زياد إلى دار المرأة محمد بن الأشعث بن قيس في ستين رجلا من قيس ، فجاءوا حتى أحاطوا بالدار ، فجعل مسلم يحاربهم عن نفسه حتى كل ومل ، فآمنوه فأخذوه وأدخلوه على عبيد الله ، فأصعد القصر وهو يقرأ ويسبح ويكبر ويقول : اللهم احكم بيننا وبين قوم غرونا وكذبونا ، ثم خذلونا حتى دفعنا إلى ما دفعنا إليه ، ثم أمر عبيد الله بضرب رقبة مسلم بن عقيل ، فضرب رقبة مسلم بن عقيل بكير بن حمران الأحمري على طرف الجدار فسقطت جثته ، ثم أتبع رأسه جسده ، ثم أمر عبيد الله [ ص: 309 ] بإخراج هانئ بن عروة إلى السوق وأمر بضرب رقبته في السوق ، ثم بعث عبيد الله بن زياد برأسي مسلم بن عقيل بن أبي طالب وهانئ بن عروة مع هانئ بن أبي حية الوداعي والزبير بن الأروح التميمي إلى يزيد بن معاوية .