المسألة الثانية : الكناية في قوله : ( فمن بدله    ) عائد إلى الوصية ، مع أن الكناية المذكورة مذكرة والوصية مؤنثة ، وذكروا فيه وجوها : 
أحدها : أن الوصية بمعنى الإيصاء ودالة عليه ، كقوله تعالى : ( فمن جاءه موعظة    ) [ البقرة : 275 ] أي وعظ ، والتقدير : فمن بدل ما قاله الميت ، أو ما أوصى به أو سمعه عنه . 
وثانيها : قيل الهاء راجعة إلى الحكم والفرض والتقدير : فمن بدل الأمر المقدم ذكره . 
وثالثها : أن الضمير عائد إلى ما أوصى به الميت فلذلك ذكره ، وإن كانت الوصية مؤنثة . 
ورابعها : أن الكناية تعود إلى معنى الوصية وهو قول أو فعل . 
وخامسها : أن تأنيث الوصية ليس بالحقيقي فيجوز أن يكنى عنها بكناية المذكر . 
أما قوله : ( بعدما سمعه    ) فهو يدل على أن الإثم إنما يثبت أو يعظم بشرط أن يكون المبدل قد علم ذلك ؛ لأنه لا معنى للسماع لو لم يقع العلم به ، فصار إثبات سماعه كإثبات علمه . 
أما قوله : ( فإنما إثمه على الذين يبدلونه    ) فاعلم أن كلمة ( إنما ) للحصر ، والضمير في قوله : ( إثمه ) عائد إلى التبديل ، والمعنى : أن إثم ذلك التبديل لا يعود إلا إلى المبدل ، وقد تقدم بيان أن المبدل من هو . 
واعلم أن العلماء استدلوا بهذه الآية على أحكام : 
أحدها : أن الطفل لا يعذب على كفر أبيه    . 
وثانيها : أن الإنسان إذا أمر الوارث بقضاء دينه ، ثم إن الوارث قصر فيه بأن لا يقضي دينه  فإن الإنسان الميت لا يعذب   [ ص: 56 ] بسبب تقصير ذلك الوارث خلافا لبعض الجهال . 
وثالثها : أن الميت لا يعذب ببكاء غيره عليه  ، وذلك ؛ لأن هذه الآية دالة على أن إثم التبديل لا يعود إلا إلى المبدل ، فإن الله تعالى لا يؤاخذ أحدا بذنب غيره ، وتتأكد دلالة هذه الآية بقوله تعالى : ( ولا تكسب كل نفس إلا عليها ولا تزر وازرة وزر أخرى    ) [ الأنعام : 164 ] ( من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها    ) [ فصلت : 46 ] ( لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت    ) [ البقرة : 286 ] . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					