أما قوله تعالى : ( كما كتب على الذين من قبلكم    ) ففيه مسألتان : 
المسألة الأولى : في هذا التشبيه قولان : 
أحدهما : أنه عائد إلى أصل إيجاب الصوم  ، يعني هذه العبادة كانت مكتوبة واجبة على الأنبياء والأمم من لدن آدم  إلى عهدكم ، ما أخلى الله أمة من إيجابها عليهم لا يفرضها عليكم وحدكم ، وفائدة هذا الكلام أن الصوم عبادة شاقة ، والشيء الشاق إذا عم سهل تحمله .   [ ص: 60 ] والقول الثاني : أن التشبيه يعود إلى وقت الصوم وإلى قدره ، وهذا ضعيف ؛ لأن تشبيه الشيء بالشيء يقتضي استواءهما في أمر من الأمور ، فأما أن يقال : إنه يقتضي الاستواء في كل الأمور فلا ، ثم القائلون بهذا القول ذكروا وجوها : 
أحدها : أن الله تعالى فرض صيام رمضان على اليهود  والنصارى   ، أما اليهود  فإنها تركت هذا الشهر وصامت يوما من السنة ، زعموا أنه يوم غرق فيه فرعون ، وكذبوا في ذلك أيضا ؛ لأن ذلك اليوم يوم عاشوراء على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أما النصارى  فإنهم صاموا رمضان فصادفوا فيه الحر الشديد فحولوه إلى وقت لا يتغير ، ثم قالوا عند التحويل : نزيد فيه فزادوا عشرا ، ثم بعد زمان اشتكى ملكهم فنذر سبعا فزادوه ، ثم جاء بعد ذلك ملك آخر فقال : ما بال هذه الثلاثة فأتمه خمسين يوما ، وهذا معنى قوله تعالى : ( اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا    ) [ التوبة : 31 ] وهذا مروي عن الحسن    . 
وثانيها : أنهم أخذوا بالوثيقة زمانا فصاموا قبل الثلاثين يوما وبعدها يوما ، ثم لم يزل الأخير يستسن بسنة القرن الذي قبله حتى صاروا إلى خمسين يوما ، ولهذا كره صوم يوم الشك  ، وهو مروي عن  الشعبي    . 
وثالثها : أن وجه التشبيه أنه يحرم الطعام والشراب والجماع بعد النوم كما كان ذلك حراما على سائر الأمم ، واحتج القائلون بهذا القول بأن الأمة مجمعة على أن قوله تعالى : ( أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم    ) [ البقرة : 187 ] يفيد نسخ هذا الحكم ، فهذا الحكم لا بد فيه من دليل يدل عليه ولا دليل عليه إلا هذا التشبيه وهو قوله : ( كما كتب على الذين من قبلكم    ) فوجب أن يكون هذا التشبيه دليلا على ثبوت هذا المعنى ، قال أصحاب القول الأول : قد بينا أن تشبيه شيء بشيء لا يدل على مشابهتهما من كل الوجوه فلم يلزم من تشبيه صومنا بصومهم أن يكون صومهم مختصا برمضان ، وأن يكون صومهم مقدرا بثلاثين يوما ، ثم إن هذه الرواية مما ينفر من قبول الإسلام إذا علم اليهود  والنصارى  كونه كذلك . 
المسألة الثانية : في موضع ( كما ) ثلاثة أقوال : 
الأول : قال الزجاج    : موضع " كما " نصب على المصدر ؛ لأن المعنى : فرض عليكم فرضا كالذي فرض على الذين من قبلكم . 
الثاني : قال  ابن الأنباري    : يجوز أن يكون في موضع نصب على الحال من الصيام يراد بها : كتب عليكم الصيام مشبها وممثلا بما كتب على الذين من قبلكم . 
الثالث : قال أبو علي    : هو صفة لمصدر محذوف تقديره : كتابة كما كتب عليهم ، فحذف المصدر وأقيم نعته مقامه قال : ومثله في الاتساع والحذف قولهم في صريح الطلاق : أنت واحدة ، ويريدون أنت ذات تطليقة واحدة ، فحذف المضاف والمضاف إليه وأقيم صفة المضاف مقام الاسم المضاف إليه . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					