أما قوله تعالى : ( هن لباس لكم وأنتم لباس لهن    ) ففيه مسائل : 
المسألة الأولى : قد ذكرنا في تشبيه الزوجين باللباس  وجوها : 
أحدها : أنه لما كان الرجل والمرأة يعتنقان ، فيضم كل واحد منهما جسمه إلى جسم صاحبه حتى يصير كل واحد منهما لصاحبه كالثوب الذي يلبسه ، سمي كل واحد منهما لباسا . قال الربيع    : هن فراش لكم وأنتم لحاف لهن ، وقال ابن زيد    : ( هن لباس لكم وأنتم لباس لهن    ) ، يريد أن كل واحد منهما يستر صاحبه عند الجماع عن أبصار الناس . 
وثانيها : إنما سمي الزوجان لباسا ليستر كل واحد منهما صاحبه عما لا يحل ، كما جاء في الخبر " من تزوج فقد أحرز ثلثي دينه   " . 
وثالثها : أنه تعالى جعلها لباسا للرجل ، من حيث إنه يخصها بنفسه ، كما يخص لباسه بنفسه ، ويراها أهلا لأن يلاقي كل بدنه كل بدنها كما يعمله في اللباس . 
ورابعها : يحتمل أن يكون المراد ستره بها عن   [ ص: 91 ] جميع المفاسد التي تقع في البيت ، لو لم تكن المرأة حاضرة ، كما يستتر الإنسان بلباسه عن الحر والبرد وكثير من المضار . 
وخامسها : ذكر الأصم  أن المراد أن كل واحد منهما كان كاللباس الساتر للآخر في ذلك المحظور الذي يفعلونه ، وهذا ضعيف لأنه تعالى أورد هذا الوصف على طريق الإنعام علينا ، فكيف يحمل على التستر بهن في المحظور . 
المسألة الثانية : قال الواحدي    : إنما وحد اللباس بعد قوله : " هن " لأنه يجري مجرى المصدر ، وفعال من مصادر فاعل ، وتأويله : هن ملابسات لكم . 
المسألة الثالثة : قال صاحب " الكشاف " : فإن قلت : ما موقع قوله : ( هن لباس لكم    )  ، فنقول : هو استئناف كالبيان لسبب الإحلال ، وهو أنه إذا حصلت بينكم وبينهن مثل هذه المخالطة والملابسة قل صبركم عنهن ، وضعف عليكم اجتنابهن ، فلذلك رخص لكم في مباشرتهن . 
				
						
						
