الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            أما قوله تعالى : ( وتدلوا بها إلى الحكام ) ففيه مسائل :

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الأولى : الإدلاء مأخوذ من إدلاء الدلو ، وهو إرسالك إياها في البئر للاستقاء يقال : أدليت دلوي أدليها إدلاء فإذا استخرجتها ، قلت : دلوتها قال تعالى : ( فأدلى دلوه ) [ يوسف : 19 ] ، ثم جعل كل إلقاء قول أو فعل إدلاء ، ومنه يقال للمحتج : أدلى بحجته ، كأنه يرسلها ليصير إلى مراده كإدلاء المستقي الولد ليصل إلى مطلوبه من الماء ، وفلان يدلي إلى الميت بقرابة أو رحم ، إذا كان منتسبا إليه فيطلب الميراث بتلك النسبة طلب المستحق بالدلو الماء ، إذا عرفت هذا فنقول : إنه داخل في حكم النهي ، والتقدير : ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل ، ولا تدلوا إلى الحكام ، أي لا ترشوها إليهم لتأكلوا طائفة من أموال الناس بالباطل ، وفي تشبيه الرشوة بالإدلاء وجهان :

                                                                                                                                                                                                                                            أحدهما : أن الرشوة رشاء الحاجة ، فكما أن الدلو المملوء من الماء يصل من البعيد إلى القريب بواسطة الرشاء ، فالمقصود : البعيد يصير قريبا بسبب الرشوة .

                                                                                                                                                                                                                                            والثاني : أن الحاكم بسبب أخذ الرشوة يمضي في ذلك الحكم من غير تثبت كمضي الدلو في الإرسال ، ثم المفسرون ذكروا وجوها :

                                                                                                                                                                                                                                            أحدها : قال ابن عباس والحسن وقتادة : المراد منه الودائع وما لا يقوم عليه بينة .

                                                                                                                                                                                                                                            وثانيها : أن المراد هو مال اليتيم في يد الأوصياء يدفعون بعضه إلى الحاكم ليبقى عليهم بعضه .

                                                                                                                                                                                                                                            وثالثها : أن المراد من الحاكم شهادة الزور ، وهو قول الكلبي .

                                                                                                                                                                                                                                            ورابعها : قال الحسن : المراد هو أن يحلف ليذهب حقه .

                                                                                                                                                                                                                                            وخامسها : هو أن يدفع إلى الحاكم رشوة ، وهذا أقرب إلى الظاهر ، ولا يبعد أيضا حمل اللفظ على الكل ، لأنها بأسرها أكل بالباطل .

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية