( وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة وأحسنوا إن الله يحب المحسنين )
قوله تعالى : ( وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة وأحسنوا إن الله يحب المحسنين )
اعلم أن تعلق هذه الآية بما قبلها من وجهين :
الأول : أنه تعالى لما أمر بالقتال ، ، وربما كان ذو المال عاجزا عن القتال وكان الشجاع القادر على القتال فقيرا عديم المال ، فلهذا أمر الله تعالى الأغنياء بأن ينفقوا على الفقراء الذين يقدرون على القتال . والاشتغال بالقتال لا يتيسر إلا بالآلات وأدوات يحتاج فيها إلى المال
والثاني : يروى أنه لما نزل قوله تعالى : ( الشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاص ) ، قال رجل من الحاضرين : والله يا رسول الله ما لنا زاد وليس أحد يطعمنا فأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن ينفقوا في سبيل الله وأن يتصدقوا وأن لا يكفوا أيديهم عن الصدقة ولو بشق تمرة تحمل في سبيل الله فيهلكوا ، فنزلت هذه الآية على وفق رسول الله - صلى الله عليه وسلم .
[ ص: 116 ] واعلم أن الإنفاق هو صرف المال إلى وجوه المصالح ، فلذلك لا يقال في المضيع : إنه منفق فإذا قيد الإنفاق بذكر سبيل الله ، فالمراد به في طريق الدين ، لا السبيل هو الطريق ، وسبيل الله هو دينه ، فكل ما أمر الله به في دينه من الإنفاق فهو داخل في الآية سواء كان إنفاقا في حج أو عمرة أو كان جهادا بالنفس ، أو تجهيزا للغير ، أو كان إنفاقا في صلة الرحم ، أو في الصدقات أو على العيال ، أو في الزكوات والكفارات ، أو عمارة السبيل وغير ذلك ، إلا أن الأقرب في هذه الآية وقد تقدم ذكر الجهاد أنه يراد به الإنفاق في الجهاد ، بل قال : ( وأنفقوا في سبيل الله ) لوجهين :
الأول : أن هذا كالتنبيه على العلة في وجوب هذا الإنفاق ، وذلك لأن ، ولأن المؤمن إذا سمع ذكر الله اهتز ونشط فيسهل عليه إنفاق المال . المال مال الله فيجب إنفاقه في سبيل الله
الثاني : أن هذه الآية إنما نزلت وقت ذهاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى مكة لقضاء العمرة ، وكانت تلك العمرة لا بد من أن تفضي إلى القتال إن منعهم المشركون ، فكانت عمرة وجهادا ، واجتمع فيه المعنيان ، فلما كان الأمر كذلك ، لا جرم قال تعالى : ( وأنفقوا في سبيل الله ) ولم يقل : وأنفقوا في الجهاد والعمرة .