[ ص: 268 ] فصل : في الطلاق . إذا طلق الرجل امرأته طلاقا يملك رجعتها في عدتها ، لم يسقط التوارث بينهما ، ما دامت في العدة  ، سواء كان في المرض أو الصحة . بغير خلاف نعلمه . وروي ذلك عن  أبي بكر  ،  وعمر  ،  وعثمان  ،  وعلي  ،  وابن مسعود  رضي الله عنهم . وذلك لأن الرجعية زوجة يلحقها طلاقه وظهاره وإيلاؤه ، ويملك إمساكها بالرجعة بغير رضاها ولا ولي ولا شهود ولا صداق جديد ، وإن طلقها في الصحة طلاقا بائنا أو رجعيا ، فبانت بانقضاء عدتها  ، لم يتوارثا إجماعا 
وإن كان الطلاق في المرض المخوف ، ثم مات من مرضه ذلك في عدتها  ، ورثته ولم يرثها إن ماتت . يروى هذا عن  عمر  ،  وعثمان  رضي الله عنهما . وبه قال  عروة  ،  وشريح  ، والحسن  ، والشعبي  ،  والنخعي  ،  والثوري  ،  وأبو حنيفة  في أهل العراق  ،  ومالك  في أهل المدينة  ،  وابن أبي ليلى    . وهو قول  الشافعي  رضي الله عنه في القديم 
وروي عن عتبة بن عبد الله بن الزبير    : لا ترث مبتوتة . وروي ذلك عن  علي  ،  وعبد الرحمن بن عوف    . وهو قول  الشافعي  الجديد ; لأنها بائن ، فلا ترث ، كالبائن في الصحة ، أو كما لو كان الطلاق باختيارها ، ولأن أسباب الميراث محصورة في رحم ونكاح وولاء ، وليس لها شيء من هذه الأسباب . ولنا ، أن  عثمان  رضي الله عنه ورث تماضر بنت الأصبغ الكلبية  من  عبد الرحمن بن عوف  ، وكان طلقها في مرضه فبتها . واشتهر ذلك في الصحابة فلم ينكر ، فكان إجماعا 
ولم يثبت عن  علي  ولا  عبد الرحمن  خلاف في هذا ، بل قد روى عروة  عن  عثمان  أنه قال لعبد الرحمن    : لئن مت لأورثنها منك . قال : قد علمت ذلك . وما روي عن  ابن الزبير  إن صح ، فهو مسبوق بالإجماع . ولأن هذا قصد قصدا فاسدا في الميراث ، فعورض بنقيض قصده ، كالقاتل القاصد استعجال الميراث يعاقب بحرمانه 
إذا ثبت هذا ، فالمشهور عن  أحمد  أنها ترثه في العدة وبعدها ما لم تتزوج . قال أبو بكر    : لا يختلف قول  أبي عبد الله  في المدخول بها إذا طلقها المريض ، أنها ترثه في العدة ، وبعدها ما لم تتزوج . روي ذلك عن الحسن    . وهو قول  البتي  ، وحميد  ،  وابن أبي ليلى  ، وبعض البصريين  ، وأصحاب الحسن  ،  ومالك  في أهل المدينة    . وذكر عن أبي بن كعب  ، لما روى  أبو سلمة بن عبد الرحمن  ، أن أباه طلق أمه وهو مريض ، فمات ، فورثته بعد انقضاء العدة 
ولأن سبب توريثها فراره من ميراثها ، وهذا المعنى لا يزول بانقضاء العدة . وروي عن  أحمد  ما يدل على أنها لا ترث بعد العدة فإنه قال ، في رواية  الأثرم    : يلزم من قال : له أن يتزوج أربعا قبل انقضاء عدة مطلقاته . أنه لو طلق أربع نسوة في مرضه ، ثم تزوج أربعا ، ثم مات من مرضه ذلك  ، أن الثماني يرثنه كلهن ، فيكون مسلما يرثه ثمان نسوة . وهذا القول يلزم منه توريث ثمان ، وتوريثها بعد العدة يلزم منه ذلك ، ولأنه قال في المطلقة قبل الدخول : لا ترث ; لأنها لا عدة لها 
وهذه كذلك فلا ترث . وهذا قول  عروة  ،  وأبي حنيفة  وأصحابه ، وقول  الشافعي  القديم ; لأنها تباح لزوج آخر ، فلم ترثه ، كما لو كان في الصحة ، ولأن توريثها بعد العدة يفضي إلى توريث أكثر من أربع نسوة ، فلم يجز ذلك ، كما لو تزوجت ، وإن تزوجت المبتوتة لم ترثه ، سواء كانت في الزوجية أو بانت من الزوج الثاني . هذا قول أكثر أهل العلم . وقال  مالك  في أهل المدينة    : ترثه ; لما ذكرنا للرواية الأولى ، ولأنها شخص يرث مع انتفاء الزوجية ، فورث معها ، كسائر الوارثين  [ ص: 269 ] 
ولنا ، أن هذه وارثة من زوج ، فلا ترث زوجا سواه ، كسائر الزوجات ، ولأن التوارث من حكم النكاح ، فلا يجوز اجتماعه مع نكاح آخر ، كالعدة ، ولأنها فعلت باختيارها ما ينافي نكاح الأول لها ، فأشبه ما لو كان فسخ النكاح من قبلها ( 4979 ) فصل : ولو صح من مرضه ذلك ، ثم مات بعده ، لم ترثه ، في قول الجمهور . وروي عن  النخعي  والشعبي   والثوري   وزفر  ، أنها ترثه ; لأنه طلاق مرض قصد به الفرار من الميراث ، فلم يمنعه ، كما لو لم يصح 
ولنا ، أن هذه بائن بطلاق في غير مرض الموت ، فلم ترثه ، كالمطلقة في الصحة ، ولأن حكم هذا المرض حكم الصحة في العطايا والإعتاق والإقرار ، فكذلك في الطلاق . وما ذكروه يبطل بما إذا قصد الفرار بالطلاق في صحته . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					