الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 4500 ) فصل : لم يفرق الخرقي بين يسير اللقطة وكثيرها . وهو ظاهر المذهب ، إلا في اليسير الذي لا تتبعه النفس ، كالتمرة والكسرة والخرقة ، وما لا خطر له ، فإنه لا بأس بأخذه والانتفاع به من غير تعريف ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينكر على واجد التمرة حيث أكلها ، بل { قال له : لو لم تأتها لأتتك } . [ ص: 6 ] { ورأى النبي صلى الله عليه وسلم تمرة فقال : لولا أني أخشى أن تكون من الصدقة ، لأكلتها }

                                                                                                                                            ولا نعلم خلافا بين أهل العلم في إباحة أخذ اليسير والانتفاع به ، وقد روي ذلك عن عمر ، وعلي ، وابن عمر ، وعائشة ، وبه قال عطاء ، وجابر بن زيد ، وطاوس ، والنخعي ، ويحيى بن أبي كثير ، ومالك ، والشافعي ، وأصحاب الرأي . وليس عن أحمد وأكثر من ذكرنا تحديد اليسير الذي يباح . وقال مالك ، وأبو حنيفة : لا يجب تعريف ما لا يقطع به السارق ، وهو ربع دينار عند مالك ، وعشرة دراهم عند أبي حنيفة

                                                                                                                                            لأن ما دون ذلك تافه ، فلا يجب تعريفه ، كالكسرة والتمرة ، والدليل على أنه تافه قول عائشة رضي الله عنها : كانوا لا يقطعون في الشيء التافه . وروي عن علي رضي الله عنه ، أنه وجد دينارا فتصرف فيه . وروى الجوزجاني ، عن سلمى بنت كعب ، قالت : وجدت خاتما من ذهب ، في طريق مكة ، فسألت عائشة عنه ، فقالت : تمتعي به . وروى أبو داود ، بإسناده عن جابر ، قال : { رخص لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في العصا والسوط والحبل وأشباهه ، يلتقطه الرجل ينتفع به } . والحبل قد يكون قيمته دراهم

                                                                                                                                            وعن ابن ماجه بإسناده ، عن سويد بن غفلة ، قال : خرجت مع سلمان بن ربيعة ، وزيد بن صوحان ، حتى إذا كنا بالعذيب ، التقطت سوطا ، فقالا لي : ألقه . فأبيت ، فلما قدمنا المدينة ، أتيت أبي بن كعب ، فذكرت ذلك له ، فقال : أصبت . قال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح . وللشافعية فيه ثلاثة أوجه كالمذاهب الثلاثة . ولنا على إبطال تحديده بما ذكروه ، أن حديث زيد بن خالد عام في كل لقطة ، فيجب إبقاؤه على عمومه ، إلا ما خرج منه بالدليل ، ولم يرد بما ذكروه نص ، ولا هو في معنى ما ورد النص به

                                                                                                                                            ولأن التحديد والتقدير لا يعرف بالقياس ، وإنما يؤخذ من نص أو إجماع ، وليس فيما ذكروه نص ولا إجماع . وأما حديث علي ، فهو ضعيف ، رواه أبو داود وقال : طرقه كلها مضطربة . ثم هو مخالف لمذهبهم ولسائر المذاهب ، فتعين حمله على وجه من الوجوه غير اللقطة ، إما لكونه مضطرا إليه أو غير ذلك ، وحديث عائشة قضية في عين ، لا يدرى كم قدر الخاتم ، ثم هو قول صحابي ، وكذلك حديث علي ، وهم لا يرون ذلك حجة ، وسائر الأحاديث ليس فيها تقدير ، لكن يباح أخذ ما ذكره النبي صلى الله عليه وسلم وخص في أخذه من السوط والعصا والحبل ، وما قيمته كقيمة ذلك

                                                                                                                                            وقدره الشيخ أبو الفرج في كتابه بما دون القيراط ، ولا يصح تحديده لما ذكرنا .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية