الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 4612 ) فصل : وإن أعتق أمة لا يملك غيرها ، ثم تزوجها ، فالنكاح صحيح في الظاهر . فإن مات ، ولم يملك شيئا آخر ، تبين أن نكاحها باطل ، ويسقط مهرها إن كان لم يدخل بها . وهذا قول أبي حنيفة ، والشافعي . ويعتق منها ثلثها ، ويرق ثلثاها . فإن كان قد دخل بها ومهرها نصف قيمتها ، عتق منها ثلاثة أسباعها ، ويرق أربعة أسباعها . وحساب ذلك أن تقول : عتق منها شيء ، ولها بصداقها نصف شيء ، وللورثة شيئان ، فيجمع ذلك فيكون ثلاثة أشياء ونصفا ، [ ص: 65 ] نبسطها فتكون سبعة ، لها منها ثلاثة ، ولهم أربعة ، ولا شيء للميت سواها ، فنجعل لنفسها منها ثلاثة أسباعها يكون حرا والباقي للورثة . وإن أحب الورثة أن يدفعوا إليها حصتها من مهرها ، وهو سبعاه ، ويعتق منها سبعاها ويسترقوا خمسة أسباعها ، فلهم ذلك . وهذا مذهب الشافعي . وقال أبو حنيفة : يحسب مهرها من قيمتها ، ولها ثلث الباقي ، وتسعى فيما بقي وهو ثلث قيمتها . فإن كان يملك مع الجارية قدر نصف قيمتها ، ولم يدخل بها ، عتق منها نصفها ، ورق نصفها ; لأن نصفها هو ثلث المال ، وإن دخل بها ، عتق منها ثلاثة أسباعها ، ولها ثلاثة أسباع مهرها ، وإنما قل العتق فيها لأنها لما أخذت ثلاثة أسباع مهرها ، نقص المال به ، فيعتق منها ثلث الباقي ، وهو ثلاثة أسباعها . وحسابها أن تقول : عتق منها شيء ، ولها بمهرها نصف شيء ، وللورثة شيئان ، يعدل ذلك الجارية ونصف قيمتها ، فالشيء سبعاها وسبعا نصف قيمتها وهو ثلاثة أسباعه ، فهو الذي عتق منها ، وتأخذ نصف ذلك من المال بمهرها ، وهو ثلاثة أسباعه . فإن كان يملك معها مثل قيمتها ، ولم يدخل بها ، عتق ثلثاها ، ورق ثلثها ، وبطل نكاحها . وإن كان دخل بها عتق أربعة أسباعها ، ولها أربعة أسباع مهرها ، ويبقى للورثة ثلاثة أسباعها وخمسة أسباع قيمتها ، وذلك يعدل مثلي ما عتق منها . وحسابها أن تجعل السبعة الأشياء معادلة لها ولقيمتها ، فيعتق منها بقدر سبعي الجميع ، وهو أربعة أسباعها ، وتستحق سبع الجميع بمهرها ، وهو أربعة أسباع مهرها . وإن كان يملك معها مثلي قيمتها ، عتقت كلها ، وصح نكاحها ; لأنها تخرج من الثلث إن أسقطت مهرها ، وإن أبت أن تسقطه ، لم ينفذ عتقها ، وبطل نكاحها ، فإن كان لم يدخل بها ، فينبغي أن يقضى بعتقها ونكاحها ، ولا مهر لها ; لأن إيجابه يفضي إلى إسقاطه وإسقاط عتقها ونكاحها ، فإسقاطه وحده أولى . وإن كان قد دخل بها ، عملنا فيها على ما تقدم ، فيعتق ستة أسباعها ، ولها ستة أسباع مهرها ، ويبطل عتق سبعها ونكاحها . ولو أعتقها ، ولم يتزوجها ، ووطئها ، كان العمل فيها في هذه المواضع كما لو تزوجها . وهذا مذهب الشافعي . وذكر القاضي في مثل هذه المسألة التي قبل الأخيرة ، ما يقتضي صحة عتقها ونكاحها ، مع وجوب مهرها ، فإنه قال في من أعتق في مرضه أمة قيمتها مائة ، وأصدقها مائتين ، لا مال له سواهما ، وهما مهر مثلها : يصح العتق والصداق والنكاح ; لأن المائتين صداق مثلها ، وتزويج المريض بمهر المثل صحيح نافذ . وهذا غير جيد ; فإن ذلك يفضي إلى نفوذ العتق في المرض من جميع المال ، ولا أعلم به قائلا . ولو أنه أتلف المائتين ، أو أصدقهما لامرأة أجنبية ، ومات ، ولم يخلف شيئا ، لبطل عتق ثلثي الأمة ، فإذا أخذتهما هي ، كان أولى في بطلانه . والصحيح ما ذكرنا إن شاء الله تعالى . وقال أبو حنيفة فيما إذا ترك مثلي قيمتها ، وكان مهرها نصف قيمتها : تعطى مهرها وثلث الباقي ، بحسب ذلك من قيمتها ، وهو نصفها وثلثها ، فيعتق ذلك ، وتسعى في سدسها الباقي ، ويبطل نكاحها . فأما إن خلف أربعة أمثال قيمتها ، صح عتقها ونكاحها وصداقها ، في قول الجميع ; لأن ذلك يخرج من الثلث ، وترث من الباقي في قول أصحابنا ، وهو قول أبي حنيفة . وقال الشافعي : لا ترث . وهو مقتضى قول الخرقي ; لأنها لو ورثت لكان عتقها وصية لوارث ، واعتبار الوصية بالموت .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية