كتاب الحيل
قال الشيخ الإمام الأجل الزاهد شمس الأئمة وفخر الإسلام
أبو بكر محمد بن أبي سهل السرخسي رحمه الله إملاء اختلف الناس في كتاب الحيل أنه من تصنيف
nindex.php?page=showalam&ids=16908محمد رحمه الله أم لا كان
أبو سليمان الجوزجاني ينكر ذلك ، ويقول : من قال : إن
nindex.php?page=showalam&ids=16908محمدا رحمه الله صنف كتابا سماه الحيل فلا تصدقه ، وما في أيدي الناس ، فإنما جمعه وراقو
بغداد .
وقال : إن الجهال ينسبون علماءنا رحمهم الله إلى ذلك على سبيل التعيير ، فكيف يظن
بمحمد رحمه الله أنه سمى شيئا من تصانيفه بهذا الاسم ليكون ذلك عونا للجهال على ما يتقولون وأما
أبو حفص رحمه الله كان يقول : هو من تصنيف
nindex.php?page=showalam&ids=16908محمد رحمه الله ، وكان يروي عنه ذلك ، وهو الأصح فإن
nindex.php?page=treesubj&link=28204الحيل في الأحكام المخرجة عن الإمام جائزة عند جمهور العلماء ، وإنما كره ذلك بعض المتعسفين لجهلهم وقلة تأملهم في الكتاب والسنة .
والدليل على جوازه من الكتاب - قوله تعالى - {
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=44 : وخذ بيدك ضغثا فاضرب به ولا تحنث } هذا تعليم المخرج
لأيوب عليه السلام عن يمينه التي حلف ليضربن زوجته مائة ، فإنه حين قالت : له لو ذبحت عناقا باسم الشيطان في قصة طويلة أوردها أهل التفسير رحمهم الله وقال - تعالى - : {
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=70فلما جهزهم بجهازهم جعل السقاية في رحل أخيه } إلى قوله {
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=76ثم استخرجها من وعاء أخيه كذلك كدنا ليوسف } وذلك منه حيلة ، وكان هذا حيلة لإمساك أخيه عنده حينئذ ليوقف إخوته على مقصوده .
وقال جل جلاله حكاية عن
موسى عليه السلام {
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=69ستجدني إن شاء الله صابرا } ، ولم يقل على ذلك ; لأنه قيد سلامته بالاستثناء ، وهو مخرج صحيح قال الله - تعالى - {
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=23ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا إلا أن يشاء الله } وأما السنة فما روي {
nindex.php?page=hadith&LINKID=81665أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم الأحزاب لعروة بن مسعود في شأن بني قريظة فلعلنا أمرناهم بذلك ، فلما قال له nindex.php?page=showalam&ids=2عمر رضي الله عنه في ذلك قال عليه السلام الحرب خدعة } ، وكان ذلك منه اكتساب حيلة ومخرج من الإثم بتقييد الكلام بلعل {
ولما أتاه رجل وأخبره أنه حلف بطلاق امرأته ثلاثا أن لا يكلم أخاه قال له : طلقها واحدة ، فإذا انقضت عدتها فكلم أخاك ثم تزوجها }
. وهذا تعليم الحيلة والآثار فيه كثيرة ، من تأمل أحكام الشرع وجد المعاملات كلها
[ ص: 210 ] بهذه الصفة فإن من أحب امرأة إذا سأل فقال : ما الحيلة لي حتى أصل إليها ؟ يقال له تزوجها ، وإذا هوي جارية فقال : ما الحيلة لي حتى أصل إليها ؟ يقال له : اشترها ، وإذا كره صحبة امرأته فقال : ما الحيلة لي في التخلص منها قيل له طلقها .
وبعد ما طلقها إذا ندم وسأل الحيلة في ذلك قيل له راجعها ؟ وبعد ما طلقها ثلاثا إذا تابت من سوء خلقها وطلبا حيلة قيل لهما الحيلة في ذلك أن تتزوج بزوج آخر ، ويدخل بها فمن كره الحيل في الأحكام ، فإنما يكره في الحقيقة أحكام الشرع ، وإنما يقع مثل هذه الأشياء من قلة التأمل .
فالحاصل : أن ما يتخلص به الرجل من الحرام أو يتوصل به إلى الحلال من الحيل فهو حسن ، وإنما يكره ذلك أن يحتال في حق لرجل حتى يبطله أو في باطل حتى يموهه أو في حق حتى يدخل فيه شبهة فما كان على هذا السبيل فهو مكروه ، وما كان على السبيل الذي قلنا أولا فلا بأس به ; لأن الله - تعالى - قال {
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=2وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان } ففي النوع الأول معنى التعاون على البر والتقوى ، وفي النوع الثاني معنى التعاون على الإثم والعدوان إذا عرفنا هذا فنقول : بدأ الكتاب بحديث
nindex.php?page=showalam&ids=16423عبد الله بن بريدة رضي الله عنه قال {
nindex.php?page=hadith&LINKID=81667سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن آية من كتاب الله - تعالى - فقال عليه السلام للسائل لا أخرج من المسجد حتى أخبرك بها فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما أخرج إحدى رجليه من المسجد أخبره بالآية قبل أن يخرج الرجل الأخرى } فأهل الحديث رحمهم الله يروون هذا الحديث على وجه آخر فإنهم يروون {
nindex.php?page=hadith&LINKID=112470عن أبي بن كعب رضي الله عنه أنه كان يصلي في المسجد إذ دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعاه فلما فرغ من صلاته جاء فقال عليه السلام ما منعك أن تجيبني إذ دعوتك أما تدري قول الله - تعالى - { nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=24يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم } قال : كنت في الصلاة يا رسول الله عليك السلام ، فقال عليه السلام ألا أنبئك بسورة أنزلت علي ليس في التوراة ولا في الإنجيل ولا في الزبور مثلها فقلت نعم فقال عليه السلام لا أخرج من المسجد حتى أخبرك بها ثم شغله وفد عني فلما قام النبي صلى الله عليه وسلم ليخرج جعلت أمشي معه ، وأقول في نفسي : لعله نسي يمينه فلما أخرج إحدى رجليه فقلت : السورة التي وعدتني يا رسول الله فقال عليه السلام ماذا تقرأ في صلاتك قلت : أم القرآن قال عليه السلام نعم إنها هي السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيت ليس في التوراة ولا في الإنجيل ولا في الزبور مثلها } .
وفائدة الحديث أنه عليه السلام أخبره بعد إخراج إحدى الرجلين للتحرز عن خلف الوعد فإن الوعد من الأنبياء عليهم السلام
[ ص: 211 ] كالعهد من غيرهم ، وللتحرز عن الحنث على ما أشار إليه في حديث
أبي رضي الله عنه من قوله لعله نسي يمينه ففيه إشارة إلى أنه كان حلف له ، وفيه دليل على أنه لا يصير خارجا بإخراج إحدى الرجلين ، ولا داخلا بإدخال إحدى الرجلين ; ولهذا قال علماؤنا رحمهم الله : من
nindex.php?page=treesubj&link=26602_16535_16530حلف على زوجته أن لا تخرج من الدار فأخرجت إحدى رجليها لم يحنث في يمينه ، وهذا لأن الخروج انتقال من الداخل إلى الخارج ولا يحصل ذلك إلا بإخراج القدمين ، وقد بينا وجوه هذه المسألة في كتاب الأيمان ثم
nindex.php?page=treesubj&link=18653مراد رسول الله صلى الله عليه وسلم من تفضيل آية أو سورة على غيرها هو الثواب عند التلاوة فإن القرآن كله كلام الله - تعالى - غير محدث ولا مخلوق ، ولا تفاوت بين السور والآي في هذا ولكن يجوز أن يقال : إن القارئ ينال الثواب على قراءة سورة ما لا يناله على قراءة سورة أخرى بيانه أنه بقراءة سورة الإخلاص يستحق من الثواب ما لا يستحق بقراءة تبت من حيث إنه في قراءة سورة الإخلاص قراءة القرآن والإقرار بوحدانية الله - تعالى - والثناء على الله - تعالى - بما هو أهله ، وفي قراءة سورة تبت قراءة القرآن ولكن ليس فيها ما بينا من المعاني الأخرى ، وما نقل في هذا الباب من الآثار من نحو ما روي أن {
nindex.php?page=hadith&LINKID=81668من قرأ سورة الإخلاص ثلاث مرات فكأنما ختم القرآن ، ومن قرأ سورة الكافرون فكأنما قرأ ربع القرآن } تأويله ما بينا وأيد ما قلنا : اتفاق العلماء رحمهم الله على
nindex.php?page=treesubj&link=1530تعيين الفاتحة للقراءة في كل صلاة عند بعضهم واجبا وعند بعضهم فرضا .
كِتَابُ الْحِيَلِ
قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ الْأَجَلُّ الزَّاهِدُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ وَفَخْرُ الْإِسْلَامِ
أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي سَهْلٍ السَّرَخْسِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ إمْلَاءً اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي كِتَابِ الْحِيَلِ أَنَّهُ مِنْ تَصْنِيفِ
nindex.php?page=showalam&ids=16908مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ أَمْ لَا كَانَ
أَبُو سُلَيْمَانَ الْجُوزَجَانِيُّ يُنْكِرُ ذَلِكَ ، وَيَقُولُ : مَنْ قَالَ : إنَّ
nindex.php?page=showalam&ids=16908مُحَمَّدًا رَحِمَهُ اللَّهُ صَنَّفَ كِتَابًا سَمَّاهُ الْحِيَلَ فَلَا تُصَدِّقْهُ ، وَمَا فِي أَيْدِي النَّاسِ ، فَإِنَّمَا جَمَعَهُ وَرَّاقُو
بَغْدَادَ .
وَقَالَ : إنَّ الْجُهَّالَ يَنْسُبُونَ عُلَمَاءَنَا رَحِمَهُمُ اللَّهُ إلَى ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ التَّعْيِيرِ ، فَكَيْفَ يُظَنُّ
بِمُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ سَمَّى شَيْئًا مِنْ تَصَانِيفِهِ بِهَذَا الِاسْمِ لِيَكُونَ ذَلِكَ عَوْنًا لِلْجُهَّالِ عَلَى مَا يَتَقَوَّلُونَ وَأَمَّا
أَبُو حَفْصٍ رَحِمَهُ اللَّهُ كَانَ يَقُولُ : هُوَ مِنْ تَصْنِيفِ
nindex.php?page=showalam&ids=16908مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ ، وَكَانَ يَرْوِي عَنْهُ ذَلِكَ ، وَهُوَ الْأَصَحُّ فَإِنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=28204الْحِيَلَ فِي الْأَحْكَامِ الْمُخْرِجَةِ عَنْ الْإِمَامِ جَائِزَةٌ عِنْدَ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ ، وَإِنَّمَا كَرِهَ ذَلِكَ بَعْضُ الْمُتَعَسِّفِينَ لِجَهْلِهِمْ وَقِلَّةِ تَأَمُّلِهِمْ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ .
وَالدَّلِيلُ عَلَى جَوَازِهِ مِنْ الْكِتَابِ - قَوْله تَعَالَى - {
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=44 : وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلَا تَحْنَثْ } هَذَا تَعْلِيمُ الْمَخْرَجِ
لِأَيُّوبَ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَنْ يَمِينِهِ الَّتِي حَلَفَ لَيَضْرِبَنَّ زَوْجَتَهُ مِائَةً ، فَإِنَّهُ حِينَ قَالَتْ : لَهُ لَوْ ذَبَحْتَ عَنَاقًا بِاسْمِ الشَّيْطَانِ فِي قِصَّةٍ طَوِيلَةٍ أَوْرَدَهَا أَهْلُ التَّفْسِيرِ رَحِمَهُمُ اللَّهُ وَقَالَ - تَعَالَى - : {
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=70فَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجِهَازِهِمْ جَعَلَ السِّقَايَةَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ } إلَى قَوْلِهِ {
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=76ثُمَّ اسْتَخْرَجَهَا مِنْ وِعَاءِ أَخِيهِ كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ } وَذَلِكَ مِنْهُ حِيلَةٌ ، وَكَانَ هَذَا حِيلَةً لِإِمْسَاكِ أَخِيهِ عِنْدَهُ حِينَئِذٍ لِيُوقِفَ إخْوَتَهُ عَلَى مَقْصُودِهِ .
وَقَالَ جَلَّ جَلَالُهُ حِكَايَةً عَنْ
مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ {
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=69سَتَجِدُنِي إنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا } ، وَلَمْ يَقُلْ عَلَى ذَلِكَ ; لِأَنَّهُ قَيَّدَ سَلَامَتَهُ بِالِاسْتِثْنَاءِ ، وَهُوَ مَخْرَجٌ صَحِيحٌ قَالَ اللَّهُ - تَعَالَى - {
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=23وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا إلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ } وَأَمَّا السُّنَّةُ فَمَا رُوِيَ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=81665أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يَوْمَ الْأَحْزَابِ لِعُرْوَةِ بْنِ مَسْعُودٍ فِي شَأْنِ بَنِي قُرَيْظَةَ فَلَعَلَّنَا أَمَرْنَاهُمْ بِذَلِكَ ، فَلَمَّا قَالَ لَهُ nindex.php?page=showalam&ids=2عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي ذَلِكَ قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ الْحَرْبُ خُدْعَةٌ } ، وَكَانَ ذَلِكَ مِنْهُ اكْتِسَابُ حِيلَةٍ وَمَخْرَجٍ مِنْ الْإِثْمِ بِتَقْيِيدِ الْكَلَامِ بِلَعَلَّ {
وَلَمَّا أَتَاهُ رَجُلٌ وَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ حَلَفَ بِطَلَاقِ امْرَأَتِهِ ثَلَاثًا أَنْ لَا يُكَلِّمَ أَخَاهُ قَالَ لَهُ : طَلِّقْهَا وَاحِدَةً ، فَإِذَا انْقَضَتْ عِدَّتُهَا فَكَلِّمْ أَخَاكَ ثُمَّ تَزَوَّجْهَا }
. وَهَذَا تَعْلِيمُ الْحِيلَةِ وَالْآثَارُ فِيهِ كَثِيرَةٌ ، مَنْ تَأَمَّلَ أَحْكَامَ الشَّرْعِ وَجَدَ الْمُعَامَلَاتِ كُلَّهَا
[ ص: 210 ] بِهَذِهِ الصِّفَةِ فَإِنَّ مَنْ أَحَبَّ امْرَأَةً إذَا سَأَلَ فَقَالَ : مَا الْحِيلَةُ لِي حَتَّى أَصِلَ إلَيْهَا ؟ يُقَالُ لَهُ تَزَوَّجْهَا ، وَإِذَا هَوِيَ جَارِيَةً فَقَالَ : مَا الْحِيلَةُ لِي حَتَّى أَصِلَ إلَيْهَا ؟ يُقَالُ لَهُ : اشْتَرِهَا ، وَإِذَا كَرِهَ صُحْبَةَ امْرَأَتِهِ فَقَالَ : مَا الْحِيلَةُ لِي فِي التَّخَلُّصِ مِنْهَا قِيلَ لَهُ طَلِّقْهَا .
وَبَعْدَ مَا طَلَّقَهَا إذَا نَدِمَ وَسَأَلَ الْحِيلَةَ فِي ذَلِكَ قِيلَ لَهُ رَاجِعْهَا ؟ وَبَعْدَ مَا طَلَّقَهَا ثَلَاثًا إذَا تَابَتْ مِنْ سُوءِ خُلُقِهَا وَطَلَبَا حِيلَةَ قِيلَ لَهُمَا الْحِيلَةُ فِي ذَلِكَ أَنْ تَتَزَوَّجَ بِزَوْجٍ آخَرَ ، وَيَدْخُلَ بِهَا فَمَنْ كَرِهَ الْحِيَلَ فِي الْأَحْكَامِ ، فَإِنَّمَا يَكْرَهُ فِي الْحَقِيقَةِ أَحْكَامَ الشَّرْعِ ، وَإِنَّمَا يَقَعُ مِثْلُ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ مِنْ قِلَّةِ التَّأَمُّلِ .
فَالْحَاصِلُ : أَنَّ مَا يَتَخَلَّصُ بِهِ الرَّجُلُ مِنْ الْحَرَامِ أَوْ يَتَوَصَّلُ بِهِ إلَى الْحَلَالِ مِنْ الْحِيَلِ فَهُوَ حَسَنٌ ، وَإِنَّمَا يُكْرَهُ ذَلِكَ أَنْ يَحْتَالَ فِي حَقٍّ لِرَجُلٍ حَتَّى يُبْطِلَهُ أَوْ فِي بَاطِلٍ حَتَّى يُمَوِّهَهُ أَوْ فِي حَقٍّ حَتَّى يُدْخِلَ فِيهِ شُبْهَةً فَمَا كَانَ عَلَى هَذَا السَّبِيلِ فَهُوَ مَكْرُوهٌ ، وَمَا كَانَ عَلَى السَّبِيلِ الَّذِي قُلْنَا أَوَّلًا فَلَا بَأْسَ بِهِ ; لِأَنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - قَالَ {
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=2وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ } فَفِي النَّوْعِ الْأَوَّلِ مَعْنَى التَّعَاوُنِ عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى ، وَفِي النَّوْعِ الثَّانِي مَعْنَى التَّعَاوُنِ عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ إذَا عَرَفْنَا هَذَا فَنَقُولُ : بَدَأَ الْكِتَابُ بِحَدِيثِ
nindex.php?page=showalam&ids=16423عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=81667سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ آيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ - تَعَالَى - فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ لِلسَّائِلِ لَا أَخْرُجُ مِنْ الْمَسْجِدِ حَتَّى أُخْبِرَكَ بِهَا فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا أَخْرَجَ إحْدَى رِجْلَيْهِ مِنْ الْمَسْجِدِ أَخْبَرَهُ بِالْآيَةِ قَبْلَ أَنْ يُخْرِجَ الرِّجْلَ الْأُخْرَى } فَأَهْلُ الْحَدِيثِ رَحِمَهُمُ اللَّهُ يَرْوُونَ هَذَا الْحَدِيثَ عَلَى وَجْهٍ آخَرَ فَإِنَّهُمْ يَرْوُونَ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=112470عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي فِي الْمَسْجِدِ إذْ دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَدَعَاهُ فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ صَلَاتِهِ جَاءَ فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ مَا مَنَعَك أَنْ تُجِيبَنِي إذْ دَعَوْتُك أَمَا تَدْرِي قَوْلَ اللَّهِ - تَعَالَى - { nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=24يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إذَا دَعَاكُمْ } قَالَ : كُنْت فِي الصَّلَاةِ يَا رَسُولَ اللَّهِ عَلَيْك السَّلَامُ ، فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَلَا أُنَبِّئُك بِسُورَةٍ أُنْزِلَتْ عَلَيَّ لَيْسَ فِي التَّوْرَاةِ وَلَا فِي الْإِنْجِيلِ وَلَا فِي الزَّبُورِ مِثْلُهَا فَقُلْتُ نَعَمْ فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَا أَخْرُجُ مِنْ الْمَسْجِدِ حَتَّى أُخْبِرَك بِهَا ثُمَّ شَغَلَهُ وَفْدٌ عَنِّي فَلَمَّا قَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيَخْرُجَ جَعَلْت أَمْشِي مَعَهُ ، وَأَقُولُ فِي نَفْسِي : لَعَلَّهُ نَسِيَ يَمِينَهُ فَلَمَّا أَخْرَجَ إحْدَى رِجْلَيْهِ فَقُلْت : السُّورَةُ الَّتِي وَعَدْتَنِي يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ مَاذَا تَقْرَأُ فِي صَلَاتِك قُلْت : أُمَّ الْقُرْآنِ قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ نَعَمْ إنَّهَا هِيَ السَّبْعُ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنُ الْعَظِيمُ الَّذِي أُوتِيت لَيْسَ فِي التَّوْرَاةِ وَلَا فِي الْإِنْجِيلِ وَلَا فِي الزَّبُورِ مِثْلُهَا } .
وَفَائِدَةُ الْحَدِيثِ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَخْبَرَهُ بَعْدَ إخْرَاجِ إحْدَى الرِّجْلَيْنِ لِلتَّحَرُّزِ عَنْ خُلْفِ الْوَعْدِ فَإِنَّ الْوَعْدَ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمْ السَّلَامُ
[ ص: 211 ] كَالْعَهْدِ مِنْ غَيْرِهِمْ ، وَلِلتَّحَرُّزِ عَنْ الْحِنْثِ عَلَى مَا أَشَارَ إلَيْهِ فِي حَدِيثِ
أُبَيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مِنْ قَوْلِهِ لَعَلَّهُ نَسِيَ يَمِينَهُ فَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ كَانَ حَلَفَ لَهُ ، وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يَصِيرُ خَارِجًا بِإِخْرَاجِ إحْدَى الرِّجْلَيْنِ ، وَلَا دَاخِلًا بِإِدْخَالِ إحْدَى الرِّجْلَيْنِ ; وَلِهَذَا قَالَ عُلَمَاؤُنَا رَحِمَهُمُ اللَّهُ : مَنْ
nindex.php?page=treesubj&link=26602_16535_16530حَلَفَ عَلَى زَوْجَتِهِ أَنْ لَا تَخْرُجَ مِنْ الدَّارِ فَأَخْرَجَتْ إحْدَى رِجْلَيْهَا لَمْ يَحْنَثْ فِي يَمِينِهِ ، وَهَذَا لِأَنَّ الْخُرُوجَ انْتِقَالٌ مِنْ الدَّاخِلِ إلَى الْخَارِجِ وَلَا يَحْصُلُ ذَلِكَ إلَّا بِإِخْرَاجِ الْقَدَمَيْنِ ، وَقَدْ بَيَّنَّا وُجُوهَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي كِتَابِ الْأَيْمَانِ ثُمَّ
nindex.php?page=treesubj&link=18653مُرَادُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ تَفْضِيلِ آيَةٍ أَوْ سُورَةٍ عَلَى غَيْرِهَا هُوَ الثَّوَابُ عِنْدَ التِّلَاوَةِ فَإِنَّ الْقُرْآنَ كُلَّهُ كَلَامُ اللَّهِ - تَعَالَى - غَيْرُ مُحْدَثٍ وَلَا مَخْلُوقٍ ، وَلَا تَفَاوُتَ بَيْنَ السُّوَرِ وَالْآيِ فِي هَذَا وَلَكِنْ يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ : إنَّ الْقَارِئَ يَنَالُ الثَّوَابَ عَلَى قِرَاءَةِ سُورَةٍ مَا لَا يَنَالُهُ عَلَى قِرَاءَةِ سُورَةٍ أُخْرَى بَيَانُهُ أَنَّهُ بِقِرَاءَةِ سُورَةِ الْإِخْلَاصِ يَسْتَحِقُّ مِنْ الثَّوَابِ مَا لَا يَسْتَحِقُّ بِقِرَاءَةِ تَبَّتْ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ فِي قِرَاءَةِ سُورَةِ الْإِخْلَاصِ قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ وَالْإِقْرَارُ بِوَحْدَانِيَّةِ اللَّهِ - تَعَالَى - وَالثَّنَاءُ عَلَى اللَّهِ - تَعَالَى - بِمَا هُوَ أَهْلُهُ ، وَفِي قِرَاءَةِ سُورَةِ تَبَّتْ قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ وَلَكِنْ لَيْسَ فِيهَا مَا بَيَّنَّا مِنْ الْمَعَانِي الْأُخْرَى ، وَمَا نُقِلَ فِي هَذَا الْبَابِ مِنْ الْآثَارِ مِنْ نَحْوِ مَا رُوِيَ أَنَّ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=81668مَنْ قَرَأَ سُورَةَ الْإِخْلَاصِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فَكَأَنَّمَا خَتَمَ الْقُرْآنَ ، وَمَنْ قَرَأَ سُورَةَ الْكَافِرُونَ فَكَأَنَّمَا قَرَأَ رُبُعَ الْقُرْآنِ } تَأْوِيلُهُ مَا بَيَّنَّا وَأَيَّدَ مَا قُلْنَا : اتِّفَاقُ الْعُلَمَاءِ رَحِمَهُمُ اللَّهُ عَلَى
nindex.php?page=treesubj&link=1530تَعْيِينِ الْفَاتِحَةِ لِلْقِرَاءَةِ فِي كُلِّ صَلَاةٍ عِنْدَ بَعْضِهِمْ وَاجِبًا وَعِنْدَ بَعْضِهِمْ فَرْضًا .