فقد أشار
nindex.php?page=showalam&ids=16908محمد رحمه الله إلى ذلك في قوله طلب الكسب فريضة ، كما أن
nindex.php?page=treesubj&link=18467_18480طلب العلم فريضة فتشبيه هذا بذاك دليل على أن طلب العلم أعلى درجة من غيره وبيان فرضية طلب العلم في قوله عليه السلام {
nindex.php?page=hadith&LINKID=81746طلب العلم فريضة على كل مسلم } والمراد علم الحلال على ما قيل : أفضل العلم علم الحلال وأفضل العمل حفظ الحال وبيان هذا أن ما يحتاج المرء في الحال لأداء ما لزمه يفترض عليه عينا علمه كالطهارة لأداء الصلاة فإن
nindex.php?page=treesubj&link=24477_18480أراد التجارة يفترض عليه تعلم ما يتحرز به عن الربا والعقود الفاسدة ، وإن كان له مال يفترض عليه تعلم زكاة جنس ماله ليتمكن به من الأداء ، وإن لزمه الحج يفترض عليه تعلم ما يؤدي به الحج هذا معنى علم الحال
وهذا علم ; لأن الله تعالى حكم ببقاء الشريعة إلى يوم القيامة والبقاء بين الناس يكون بالتعلم والتعليم فيفترض التعليم والتعلم جميعا ، وقد قررنا هذا المعنى في بيان فريضة الكسب والدليل عليه ما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم لعن الذين لا يعلمون ، ولا يتعلمون ليرتفع العلم بهم وقال {
nindex.php?page=hadith&LINKID=81747إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من القلوب ولكن بقبض العلماء } ، فإذا قبض العلماء اتخذ الناس رءوسا جهالا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا ، والذي يؤيد هذا كله قوله تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=6وإن أحد من المشركين استجارك } الآية ، وفي هذا إشارة إلى أنه يفترض
nindex.php?page=treesubj&link=18466_18480_18496_18501_23416_24892تعليم الكافر إذا طلب ذلك فتعليم المؤمن أولى وبيان قولنا أنه من آكد الفرائض أن الإنسان لو شغل جميع عمره بالتعلم والتعليم كان مفترضا في الكل ، ولو شغل جميع عمره بالصوم والصلاة كان مشتغلا في البعض ، ولا شك أن إقامة الفرض أعلى درجة من أداء النفل قال ، وكما أن طلب العلم فريضة فأداء العلم إلى الناس فريضة ; لأن اشتغال صاحب العلم بالعمل معروف والعمل بخلافه منكر فالتعليم يكون أمرا بالمعروف ونهيا عن المنكر ، وهو فرض على هذه الأمة
قال الله تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=110كنتم خير أمة } الآية ، ويختلفون في فصل وهو أن من يعلم حكما أو حكمين هل يفترض عليه أن يبين ذلك لمن لا يعلمه أم لا ؟ فعلى قول بعض مشايخنا رحمهم الله يلزمه ذلك وأكثرهم على أنه لا يلزمه ذلك ، وإنما يجب ذلك على الذين اشتهروا بالعلم ممن يعتمد الناس قولهم ، وقد أشار في هذا الكتاب إلى القولين واللفظ المذكور هنا
[ ص: 261 ] يوجب التعميم وقال بعد هذه فعلى البصراء من العلماء أن يبينوا للناس طريق الفقه فهذا يدل على أن الفرضية على الذين اشتهروا بالعلم خاصة
وجه القول الأول قوله تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=159إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات } وقوله تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=187وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب } الآية ، فتبين بالآيتين أن الكتمان حرام وأن ضده ، وهو الإظهار لازم فيتناول ذلك كل من بلغه علم ، فإنه يتصور منه الكتمان فيما بلغه فيفترض عليه الإظهار وقال صلى الله عليه وسلم {
nindex.php?page=hadith&LINKID=81748إذا رأيتم آخر هذه الأمة طعن على أولها فمن كان عنده علم فليظهره ، فإن كاتم العلم يومئذ ككاتم ما أنزل على محمد } ، ولأن تعليم العلم بمنزلة أداء الزكاة وعلى كل أداء الزكاة من نصابه وصاحب النصاب وصاحب المنصب في ذلك سواء وجه القول الآخر أن العلماء في كل زمان خلفاء الرسل عليهم السلام كما قال صلى الله عليه وسلم {
nindex.php?page=hadith&LINKID=81749العلماء هم ورثة الأنبياء } ومعلوم أن في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم كان هو المبين للناس ما يحتاجون إليه من أمر دينهم ، فإن الله تعالى وصفه بذلك وقال {
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=44لتبين للناس ما نزل إليهم } ، ولا يجب على أحد سواه شيء من ذلك بحضرته فكذا في كل حين ومكان إنما يفترض الأداء على المشهورين بالعلم دون غيرهم ; لأن الناس في العادة إنما يعتمدون قول من اشتهر بالعلم وقلما يعتمدون قول غيرهم وربما يستخف بعضهم بما يسمعه ممن لم يشتهر بالعلم ، فلهذا كان البيان على المشهورين خاصة ، وقد نقل عن
الحسن رضي الله عنه أدركت سبعين بدريا كلهم قد انزووا ، ولم يشتغلوا بتعليم الناس ; لأنه كان لا يحتاج إليهم ، وكذا علماء التابعين رحمهم الله فمنهم من تصدى للفتوى والتعليم ، ومنهم من امتنع من ذلك وانزوى لعلمه أنه لا يتمكن الخلل بامتناعه وأن المقصود حاصل بغيره ، وهذا ; لأن للعلم ثمرتين العمل به والتعليم ، ومنهم من لا يتمكن منهما جميعا فيكتفي بثمرة العمل به فعرفنا أن ذلك واسع وأن المقصود بالمشهورين من أهل العلم حاصل .
( قال : ولو لم يكن طلب العلم فريضة لم يكن للناس مخرج من الإثم ) يعني أن التحرز عن ارتكاب الإثم فرض قال الله تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=33قل إنما حرم ربي الفواحش } الآية ، ولا يتوصل إلى هذا التحرز إلا بالعلم قال ، ولو ترك الناس العلم لما تميز الحق من الباطل والصواب من الخطأ والبين من الخفي يعني أن التمييز بين الحق والباطل أصل الدين ، ولا يتوصل إليه إلا بالعلم قال الله تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=24ويمح الله الباطل ويحق الحق } وقال في آية أخرى {
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=8ليحق الحق ويبطل الباطل } ولا شك أنه يفترض على كل مخاطب التمييز بين ما أحقه الله تعالى وبين ما محاه الله من الباطل وكذا يجب على كل أحد التمسك بما هو
[ ص: 262 ] صواب والتحرز عن الخطأ بجهده وطريق التوصل إلى ذلك العلم
فَقَدْ أَشَارَ
nindex.php?page=showalam&ids=16908مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ إلَى ذَلِكَ فِي قَوْلِهِ طَلَبُ الْكَسْبِ فَرِيضَةٌ ، كَمَا أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=18467_18480طَلَبَ الْعِلْمِ فَرِيضَةٌ فَتَشْبِيهُ هَذَا بِذَاكَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ طَلَبَ الْعِلْمِ أَعْلَى دَرَجَةً مِنْ غَيْرِهِ وَبَيَانُ فَرْضِيَّةِ طَلَبِ الْعِلْمِ فِي قَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=81746طَلَبُ الْعِلْمِ فَرِيضَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ } وَالْمُرَادُ عِلْمُ الْحَلَالِ عَلَى مَا قِيلَ : أَفْضَلُ الْعِلْمِ عِلْمُ الْحَلَالِ وَأَفْضَلُ الْعَمَلِ حِفْظُ الْحَالِ وَبَيَانُ هَذَا أَنَّ مَا يَحْتَاجُ الْمَرْءُ فِي الْحَالِ لِأَدَاءِ مَا لَزِمَهُ يُفْتَرَضُ عَلَيْهِ عَيْنًا عِلْمُهُ كَالطَّهَارَةِ لِأَدَاءِ الصَّلَاةِ فَإِنْ
nindex.php?page=treesubj&link=24477_18480أَرَادَ التِّجَارَةَ يُفْتَرَضُ عَلَيْهِ تَعَلُّمُ مَا يَتَحَرَّزُ بِهِ عَنْ الرِّبَا وَالْعُقُودِ الْفَاسِدَةِ ، وَإِنْ كَانَ لَهُ مَالٌ يُفْتَرَضُ عَلَيْهِ تَعَلُّمُ زَكَاةِ جِنْسِ مَالِهِ لِيَتَمَكَّنَ بِهِ مِنْ الْأَدَاءِ ، وَإِنْ لَزِمَهُ الْحَجُّ يُفْتَرَضُ عَلَيْهِ تَعَلُّمُ مَا يُؤَدِّي بِهِ الْحَجَّ هَذَا مَعْنَى عِلْمِ الْحَالِ
وَهَذَا عِلْمٌ ; لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى حَكَمَ بِبَقَاءِ الشَّرِيعَةِ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَالْبَقَاءُ بَيْنَ النَّاسِ يَكُونُ بِالتَّعَلُّمِ وَالتَّعْلِيمِ فَيُفْتَرَضُ التَّعْلِيمُ وَالتَّعَلُّمُ جَمِيعًا ، وَقَدْ قَرَّرْنَا هَذَا الْمَعْنَى فِي بَيَانِ فَرِيضَةِ الْكَسْبِ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ مَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَعَنَ الَّذِينَ لَا يُعَلِّمُونَ ، وَلَا يَتَعَلَّمُونَ لِيَرْتَفِعَ الْعِلْمُ بِهِمْ وَقَالَ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=81747إنَّ اللَّهَ لَا يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنْ الْقُلُوبِ وَلَكِنْ بِقَبْضِ الْعُلَمَاءِ } ، فَإِذَا قَبَضَ الْعُلَمَاءَ اتَّخَذَ النَّاسُ رُءُوسًا جُهَّالًا فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا ، وَاَلَّذِي يُؤَيِّدُ هَذَا كُلَّهُ قَوْله تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=6وَإِنْ أَحَدٌ مِنْ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَك } الْآيَةَ ، وَفِي هَذَا إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ يُفْتَرَضُ
nindex.php?page=treesubj&link=18466_18480_18496_18501_23416_24892تَعْلِيمُ الْكَافِرِ إذَا طَلَبَ ذَلِكَ فَتَعْلِيمُ الْمُؤْمِنِ أَوْلَى وَبَيَانُ قَوْلِنَا أَنَّهُ مِنْ آكَدِ الْفَرَائِضِ أَنَّ الْإِنْسَانَ لَوْ شُغِلَ جَمِيعَ عُمْرِهِ بِالتَّعَلُّمِ وَالتَّعْلِيمِ كَانَ مُفْتَرَضًا فِي الْكُلِّ ، وَلَوْ شُغِلَ جَمِيعَ عُمْرِهِ بِالصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ كَانَ مُشْتَغِلًا فِي الْبَعْضِ ، وَلَا شَكَّ أَنَّ إقَامَةَ الْفَرْضِ أَعْلَى دَرَجَةً مِنْ أَدَاءِ النَّفْلِ قَالَ ، وَكَمَا أَنَّ طَلَبَ الْعِلْمِ فَرِيضَةٌ فَأَدَاءُ الْعِلْمِ إلَى النَّاسِ فَرِيضَةٌ ; لِأَنَّ اشْتِغَالَ صَاحِبِ الْعِلْمِ بِالْعَمَلِ مَعْرُوفٌ وَالْعَمَلُ بِخِلَافِهِ مُنْكَرٌ فَالتَّعْلِيمُ يَكُونُ أَمْرًا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهْيًا عَنْ الْمُنْكَرِ ، وَهُوَ فَرْضٌ عَلَى هَذِهِ الْأُمَّةِ
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=110كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ } الْآيَةَ ، وَيَخْتَلِفُونَ فِي فَصْلٍ وَهُوَ أَنَّ مَنْ يَعْلَمُ حُكْمًا أَوْ حُكْمَيْنِ هَلْ يُفْتَرَضُ عَلَيْهِ أَنْ يُبَيِّنَ ذَلِكَ لِمَنْ لَا يَعْلَمُهُ أَمْ لَا ؟ فَعَلَى قَوْلِ بَعْضِ مَشَايِخِنَا رَحِمَهُمُ اللَّهُ يَلْزَمُهُ ذَلِكَ وَأَكْثَرُهُمْ عَلَى أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ ، وَإِنَّمَا يَجِبُ ذَلِكَ عَلَى الَّذِينَ اشْتَهَرُوا بِالْعِلْمِ مِمَّنْ يَعْتَمِدُ النَّاسُ قَوْلَهُمْ ، وَقَدْ أَشَارَ فِي هَذَا الْكِتَابِ إلَى الْقَوْلَيْنِ وَاللَّفْظُ الْمَذْكُورُ هُنَا
[ ص: 261 ] يُوجِبُ التَّعْمِيمَ وَقَالَ بَعْدَ هَذِهِ فَعَلَى الْبُصَرَاءِ مِنْ الْعُلَمَاءِ أَنْ يُبَيِّنُوا لِلنَّاسِ طَرِيقَ الْفِقْهِ فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْفَرْضِيَّةَ عَلَى الَّذِينَ اشْتَهَرُوا بِالْعِلْمِ خَاصَّةً
وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ قَوْله تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=159إنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنْ الْبَيِّنَاتِ } وقَوْله تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=187وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ } الْآيَةَ ، فَتَبَيَّنَ بِالْآيَتَيْنِ أَنَّ الْكِتْمَانَ حَرَامٌ وَأَنَّ ضِدَّهُ ، وَهُوَ الْإِظْهَارُ لَازِمٌ فَيَتَنَاوَلُ ذَلِكَ كُلَّ مَنْ بَلَغَهُ عِلْمٌ ، فَإِنَّهُ يُتَصَوَّرُ مِنْهُ الْكِتْمَانُ فِيمَا بَلَغَهُ فَيُفْتَرَضُ عَلَيْهِ الْإِظْهَارُ وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=81748إذَا رَأَيْتُمْ آخِرَ هَذِهِ الْأُمَّةِ طَعَنَ عَلَى أَوَّلِهَا فَمَنْ كَانَ عِنْدَهُ عِلْمٌ فَلْيُظْهِرْهُ ، فَإِنَّ كَاتِمَ الْعِلْمِ يَوْمَئِذٍ كَكَاتِمِ مَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ } ، وَلِأَنَّ تَعْلِيمَ الْعِلْمِ بِمَنْزِلَةِ أَدَاءِ الزَّكَاةِ وَعَلَى كُلٍّ أَدَاءُ الزَّكَاةِ مِنْ نِصَابِهِ وَصَاحِبُ النِّصَابِ وَصَاحِبُ الْمَنْصِبِ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ وَجْهُ الْقَوْلِ الْآخَرِ أَنَّ الْعُلَمَاءَ فِي كُلِّ زَمَانٍ خُلَفَاءُ الرُّسُلِ عَلَيْهِمْ السَّلَامُ كَمَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=81749الْعُلَمَاءُ هُمْ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ } وَمَعْلُومٌ أَنَّ فِي زَمَنِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ هُوَ الْمُبَيِّنُ لِلنَّاسِ مَا يَحْتَاجُونَ إلَيْهِ مِنْ أَمْرِ دِينِهِمْ ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى وَصَفَهُ بِذَلِكَ وَقَالَ {
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=44لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إلَيْهِمْ } ، وَلَا يَجِبُ عَلَى أَحَدٍ سِوَاهُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ بِحَضْرَتِهِ فَكَذَا فِي كُلِّ حِينٍ وَمَكَانٍ إنَّمَا يُفْتَرَضُ الْأَدَاءُ عَلَى الْمَشْهُورِينَ بِالْعِلْمِ دُونَ غَيْرِهِمْ ; لِأَنَّ النَّاسَ فِي الْعَادَةِ إنَّمَا يَعْتَمِدُونَ قَوْلَ مَنْ اشْتَهَرَ بِالْعِلْمِ وَقَلَّمَا يَعْتَمِدُونَ قَوْلَ غَيْرِهِمْ وَرُبَّمَا يَسْتَخِفُّ بَعْضُهُمْ بِمَا يَسْمَعُهُ مِمَّنْ لَمْ يَشْتَهِرْ بِالْعِلْمِ ، فَلِهَذَا كَانَ الْبَيَانُ عَلَى الْمَشْهُورِينَ خَاصَّةً ، وَقَدْ نُقِلَ عَنْ
الْحَسَنِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَدْرَكْت سَبْعِينَ بَدْرِيًّا كُلَّهُمْ قَدْ انْزَوَوْا ، وَلَمْ يَشْتَغِلُوا بِتَعْلِيمِ النَّاسِ ; لِأَنَّهُ كَانَ لَا يُحْتَاجُ إلَيْهِمْ ، وَكَذَا عُلَمَاءُ التَّابِعِينَ رَحِمَهُمُ اللَّهُ فَمِنْهُمْ مَنْ تَصَدَّى لِلْفَتْوَى وَالتَّعْلِيمِ ، وَمِنْهُمْ مَنْ امْتَنَعَ مِنْ ذَلِكَ وَانْزَوَى لِعِلْمِهِ أَنَّهُ لَا يَتَمَكَّنُ الْخَلَلُ بِامْتِنَاعِهِ وَأَنَّ الْمَقْصُودَ حَاصِلٌ بِغَيْرِهِ ، وَهَذَا ; لِأَنَّ لِلْعِلْمِ ثَمَرَتَيْنِ الْعَمَلُ بِهِ وَالتَّعْلِيمُ ، وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْهُمَا جَمِيعًا فَيَكْتَفِي بِثَمَرَةِ الْعَمَلِ بِهِ فَعَرَفْنَا أَنَّ ذَلِكَ وَاسِعٌ وَأَنَّ الْمَقْصُودَ بِالْمَشْهُورِينَ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ حَاصِلٌ .
( قَالَ : وَلَوْ لَمْ يَكُنْ طَلَبُ الْعِلْمِ فَرِيضَةً لَمْ يَكُنْ لِلنَّاسِ مَخْرَجٌ مِنْ الْإِثْمِ ) يَعْنِي أَنَّ التَّحَرُّزَ عَنْ ارْتِكَابِ الْإِثْمِ فَرْضٌ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=33قُلْ إنَّمَا حَرَّمَ رَبِّي الْفَوَاحِشَ } الْآيَةَ ، وَلَا يُتَوَصَّلُ إلَى هَذَا التَّحَرُّزِ إلَّا بِالْعِلْمِ قَالَ ، وَلَوْ تَرَكَ النَّاسُ الْعِلْمَ لَمَا تَمَيَّزَ الْحَقُّ مِنْ الْبَاطِلِ وَالصَّوَابُ مِنْ الْخَطَأِ وَالْبَيِّنُ مِنْ الْخَفِيِّ يَعْنِي أَنَّ التَّمْيِيزَ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ أَصْلُ الدِّينِ ، وَلَا يُتَوَصَّلُ إلَيْهِ إلَّا بِالْعِلْمِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=24وَيَمْحُ اللَّهُ الْبَاطِلَ وَيُحِقُّ الْحَقَّ } وَقَالَ فِي آيَةٍ أُخْرَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=8لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ } وَلَا شَكَّ أَنَّهُ يُفْتَرَضُ عَلَى كُلِّ مُخَاطَبٍ التَّمْيِيزُ بَيْنَ مَا أَحَقَّهُ اللَّهُ تَعَالَى وَبَيْنَ مَا مَحَاهُ اللَّهُ مِنْ الْبَاطِلِ وَكَذَا يَجِبُ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ التَّمَسُّكُ بِمَا هُوَ
[ ص: 262 ] صَوَابٌ وَالتَّحَرُّزُ عَنْ الْخَطَأِ بِجَهْدِهِ وَطَرِيقُ التَّوَصُّلِ إلَى ذَلِكَ الْعِلْمُ