الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                            مواهب الجليل في شرح مختصر خليل

                                                                                                                            الحطاب - محمد بن محمد بن عبد الرحمن الرعينى

                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ص ( فصل : ومنع للتهمة ما كثر قصده )

                                                                                                                            ش : لما فرغ - رحمه الله - من ذكر البيوع التي نص الشرع

                                                                                                                            [ ص: 389 ] على المنع منها عقبها ببيوع ظاهرها الجواز ويتوصل بها إلى ممنوع فمنعها أهل المذهب وأجازها غيرهم ويسميها أهل المذهب ببيوع الآجال قال في التوضيح وهل كل من لفظتي البيوع والآجال باق على دلالته أو سلبت دلالة كل واحد وصار المجموع اسما لما ذكر فيه احتمالين والثاني أظهر ، انتهى . واعلم أنه إذا أريد بهما مسائل وهي ما تكرر فيه البيع من البائعين مرة ثانية فالاحتمال الثاني متعين ولذا قال ابن الحاجب لقب إلخ كما سيأتي وإن أريد البيع الذي فيه تأجيل فلا شك في بقاء كل لفظة على معناها قال ابن عرفة بيوع الآجال يطلق مضافا ، ولقب الأول ما أجل ثمنه العين وما أجل ثمنه غيرها سلم في سلمها الأول يجوز سلم الطعام في الفلوس وربما أطلق على ما أجل ثمنه العين أنه سلم بمجاز التغليب في سلمها الأول ، من أسلم ثوبا في عشرة أرادب من حنطة إلى شهر وعشرة دراهم لشهر آخر فلا بأس به ولو اختلف أجلهما وربما أطلق على ما أجل ثمنه غير الفاسد العين أنه بيع في الغرر الأول منها لا بأس ببيع سلعة غائبة بعينها بسلعة إلى أجل أو بدنانير إلى أجل ا هـ .

                                                                                                                            وقوله وما أجل ثمنه غيرها سلم إلى آخره جعل المتقدم هو الثمن سواء كان العين أو غيرها وبعضهم يقول وما أجل ثمنه فهو سلم والكل قريب ; لأنه يطلق على كل واحد أنه ثمن وأنه مثمن كما أنه يطلق على كل واحد من العاقدين أنه بائع ومشتر سيأتي في باب الخيار عند قول المصنف وبريء المشتري للتنازع شيء من هذا المعنى وقال أبو الحسن عياض بيوع الآجال في عرف الفقهاء ما أجل ثمنه ولو كان المثمون مؤجلا والثمن نقدا كالسلم لم يطلقوا عليه هذا الاسم وإن كان حكمه حكم الأول في القضايا الفقهية ا هـ .

                                                                                                                            وقوله لم يطلقوا يريد في الغالب لما تقدم وما ذكره المؤلف في أجل السلم يأتي مثله في البيع إلى أجل فكأنه اكتفى بذلك عن ذكره هنا وقد نبه عليه ابن عرفة وعلى مسائل تتعلق بالبيع إلى أجل يذكر منها ما تيسر . قال : وشرطه كالنقد مع تعين الأجل نصا فمجهول الأجل فاسد ومعروفه بالشخص واضح وبالعرف كاف ثم قال الشيخ روى محمد لا بأس ببيع أهل الأسواق على التقاضي وقد عرفوا ذلك بينهم ثم قال وبعيد الأجل ممنوع وغيره جائز في شراء الغائب منها يجوز شراء سلعة إلى عشر سنين أو عشرين وسمع أصبغ جوازه ابن القاسم عمن يبيع سلعة بثمن إلى ثلاثين سنة أو عشرين قال أما إلى ثلاثين فلا أدري ولكن إلى عشرة وما أشبهه ، وأكره إلى عشرين ولا أفسخه ولو كان سبعين لفسخته أصبغ لا بأس به ابتداء إلى عشرين وقال لي إن وقع به النكاح إلى ثلاثين لم أفسخه وكذا البيع عندي قال ابن عرفة وكذا وجدته في العتبية إلى سبعين التي نصفها خمسة وثلاثون ولابن زرقون عن الباجي عن ابن القاسم إلى ستين فسخته ، انتهى كلام ابن عرفة ومسألة المدونة في كتاب بيع الغرر ونصها ويجوز شراء سلعة إلى عشر سنين أو عشرين وإجارة العبد عشر سنين ا هـ ، قال الشيخ أبو الحسن انظر هل أراد أن الثمن مؤجل إلى عشر سنين وأن السلعة منقودة وهو الذي يدل عليه القرآن وهو قوله : وإجارة العبد عشر سنين ويحتمل أن يريد أن المؤجل إلى هذا الأجل السلعة أنها تقبض إلى عشر سنين فيجوز هذا بشرط السلم وكلاهما جائز . ا هـ ، ويعني بذلك إذا كانت السلعة مضمونة في الذمة على شروط السلم وأما إن كانت معينة فلا يجوز تأخيرها أكثر من ثلاثة أيام وقال المشذالي وقوله إلى عشرين صفة لمحذوف أي بثمن مؤجل إلى عشرين وعليه قدره ابن رشد في سماع أصبغ ا هـ ونص ما في سماع أصبغ في رسم البيوع الثاني من جامع البيوع : اتفق مالك وأصحابه فيما علمت اتفاقا محملا في النكاح يقع بمهر مؤجل إلى أجل بعيد أنه لا يجوز ويفسخ إذا وقع ، واختلف في حده على أربعة أقوال .

                                                                                                                            ( أحدها ) أنه يفسخ فيما فوق

                                                                                                                            [ ص: 390 ] العشرين وهو قول ابن وهب وقد كان ابن القاسم جامعه على ذلك ثم رجع عنه .

                                                                                                                            ( والثاني ) أنه لا يفسخ إلا فيما فوق الأربعين وإليه رجع ابن القاسم حكاه ابن حبيب .

                                                                                                                            ( والثالث ) لا يفسخ إلا في الخمسين والستين .

                                                                                                                            ( والرابع ) لا يفسخ إلا في السبعين والثمانين وهو قول ابن القاسم في هذه الرواية واختلف في العشرين فما دونها على خمسة أقوال .

                                                                                                                            ( أحدها ) أنه يكره في القليل والكثير وهو قول مالك في المدونة .

                                                                                                                            ( والثاني ) يجوز في السنة ويكره فيما جاوز ذلك .

                                                                                                                            ( والثالث ) يكره فيما جاوز الأربع .

                                                                                                                            ( والرابع ) يجوز في العشر ونحوها ويكره فيما جاوزها . ( والخامس ) يجوز في العشرين ثم قال ومساواة ابن القاسم بين البيع والنكاح فيما يكره فيهما من الأجل ابتداء وفيما لا يجوز ويفسخ به البيع والنكاح هو القياس ا هـ ، وقال الشيخ أبو الحسن إثر كلامه المتقدم قال ابن يونس قال في كتاب ابن المواز ويكره البيع إلى أجل بعيد ، مثل عشرين سنة فما فوقها قيل أتفسخه قال لا ولكن مثل ثمانين سنة أو سبعين سنة يفسخ به البيع ثم قال أبو الحسن وظاهر الكتاب في قوله عشرين وإن كان البائع من أبناء الستين أو السبعين قالوا معناه إذا كان البائع من أبناء أربعين سنة فأقل ولو كان من أبناء ستين سنة لم يجز أن يبيع إلى عشرين ; لأنه لا ينتفع بالثمن ا هـ .

                                                                                                                            قال المشذالي إثر كلامه المتقدم صرح ابن رشد في سماع أصبغ باعتبار صغر البائع وكبره عن التونسي فيما قيده هنا المغربي وضابطه أن يبيع إلى أجل يعيش إليه غالبا ولو كان من أبناء مائة أو ستين أن يشتري إلى عشرين أو ثلاثين ; لأنه كالأجل إلى الموت .

                                                                                                                            وانظر هل تدخل السنة الأخيرة أم لا بالخلاف فيمن قال إلى رمضان وانظر بقيته وذكر ابن رشد عن التونسي أنهم عللوا البيع إلى الأجل البعيد بالغرر كحلوله بموته ، والله أعلم . فتحصل من هذا جوازه إلى العشرة وما أشبهها وفي جوازه إلى العشرين وكراهته دون فسخ قولها مع اختيار أصبغ وقول ابن القاسم ويفسخ إلى السبعين والستين وفي الثلاثين توقف ابن القاسم وقياس أصبغ على الصداق وعدم الفسخ ، والله أعلم .

                                                                                                                            ثم قال ابن عرفة وفيها بيع سلعة بثمن عين إلى أجل شرط قبضه ببلد لغو ولذا إن لم يذكر الأجل معه فسد البيع عياض اتفاقا اللخمي إن قال أشتري بالعين لأقضي بموضع كذا ; لأن لي به مالا وإنما معي هنا ما أتوصل به . وليس عندي ما أقضي به هنا إلا داري أو ربعي ولا أحب بيعه

                                                                                                                            لم يجبر على القضاء إلا بالموضع الذي سعى ويجوز البيع وإن لم يضربا أجلا كمن باع على دنانير بأعيانها بمائة وإن اشترط البائع القبض ببلد معين لاحتياجه فيه لوجه كذا فجعلها المشتري لغيره لم يلزم البائع قبولها لخوفه في وصولها إلى هناك وقد شرط أمرا جائزا فيوفى له به ا هـ وقبله ابن عرفة كأنه المذهب وهو ظاهر فيقيد به قول المصنف في العرض كأخذه بغير محله إلا العين . ( فرع ) من باع سلعة بعينها ولم يذكر حالا ولا مؤجلا فإنه على الحلول نقله أبو الحسن الصغير عن القاضي عياض في آخر البيوع الفاسدة في أثناء كلامه على هلاك الرهن قبل قبضه ، والله أعلم . ثم قال ابن عرفة الثاني لقب لمتكرر بيع عاقدي الأول ولو بغير عين قبل اقتضائه ا هـ .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            الخدمات العلمية