الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                            مواهب الجليل في شرح مختصر خليل

                                                                                                                            الحطاب - محمد بن محمد بن عبد الرحمن الرعينى

                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ص ( وزبد وسمن وجبن وأقط )

                                                                                                                            ش : اللبن وما

                                                                                                                            [ ص: 358 ] تولد عنه سبعة أنواع حليب ومخيض ومضروب وزبد وسمن وجبن وأقط والمخيض والمضروب قال الجزولي والشيخ يوسف بن عمر كلاهما قد أخرج زبده لكن هذا على صفة والآخر على صفة أخرى ولعسر الفرق بينهما لم يعدهما الزناتي قسمين بل اكتفى بأحدهما والأقط بفتح الهمزة وكسر القاف وقد تسكن ويجوز ضم أوله وكسره قال عياض وهو جبن اللبن المستخرج زبده وخصه ابن الأعرابي بالضأن وقيل لبن مجفف مستحجر يطبخ به ، قاله ابن حجر في مقدمة فتح الباري قال اللخمي اللبن وما يئول إليه على وجوه حليب ومخيض ومضروب وزبد وسمن وجبن وأقط فبيع كل واحد منها بجنسه غير المخيض والمضروب متفاضلا ممنوع قولا واحدا واختلف في بيع الحليب بالحليب متماثلا فأجازه في المدونة .

                                                                                                                            وحكى أبو الفرج المنع ويجوز بيع الزبد بالزبد والسمن بالسمن متماثلا وكذلك الجبن بالجبن إلا أن يكون اليابس بالطري ولا يجوز الحليب بالزبد ولا بالسمن ولا بالجبن ولا بالأقط ولا بيع شيء من هذه بالآخر ; لأن الادخار موجود والتفاضل ممنوع والمماثلة معدومة ولا يقدر عليها ويختلف في بيع المخيض بالمخيض والمضروب بالمضروب متفاضلا فمن منع التفاضل فيهما منع أن يباع شيء منها بحليب أو بشيء مما تقدم ذكره ومن أجاز التفاضل أجاز بيع أحدها بأي ذلك أحب من الحليب وغيره وقال مالك : لا بأس بالسمن باللبن الذي أخرج زبده وهذا لا يصح إلا على القول بأن التفاضل بينهما جائز ، انتهى . وما ذكره من التفاضل في المخيض والمضروب رده عليه أهل المذهب وقالوا اللبن كله ربوي وإلى هذا أشار المصنف بقوله المتقدم ومطلق لبن .

                                                                                                                            واعلم أن صور بيع هذه الأنواع السبعة بعضها ببعض من نوعه أو خلاف نوعه بعد إسقاط المكرر ثمان وعشرون صورة فبيع كل واحد بنوعه جائز إذا كان متماثلا ولا يجوز التفاضل في هذه السبع صور وبيع كل واحد من الحليب والزبد والسمن والجبن والأقط ببقية هذه الأنواع لا يجوز متماثلا ولا متفاضلا كما صرح به اللخمي ; لأنه من باب بيع الرطب باليابس فلا يتحقق التماثل وأخذ من مفهوم كلام ابن إسحاق جواز بيع الأقط بالجبن متماثلا وفي هذه الأنواع عشر صور ويجوز بيع المخيض بالمضروب متماثلا لا متفاضلا على المعروف ; لأنهما في الحقيقة شيء واحد وأجاز في المدونة بيع الحليب بالمضروب متماثلا فيجوز بيع الحليب بالمخيض أيضا ; لأن المضروب والمخيض سواء فهذه ثلاث صور وأجاز في المدونة أيضا بيع السمن بلبن قد أخرج زبده وذلك شامل لصورتين ; لأن الذي أخرج زبده يشمل المخيض والمضروب وذكر ابن عرفة عن الشيخ أبي محمد أن مالكا أجاز بيع الزبد بالمضروب فيجوز بيعه بالمخيض أيضا ; لأنهما شيء واحد كما قد علمت فهاتان صورتان أيضا وذكر الشيخ أبو إسحاق أنه اختلف في بيع الجبن بالمضروب على قولين بالجواز والكراهة .

                                                                                                                            وعزا ابن عرفة الجواز لابن القاسم فيجوز عنده أيضا بيع الجبن بالمخيض فهاتان صورتان أيضا فجملة الصور ستة وعشرون صورة وبقي صورتان وهي بيع الأقط بالمخيض وبالمضروب وظاهر كلام اللخمي والجزولي والشيخ يوسف بن عمر والزناتي أن حكمهما الجواز كحكم بيع السمن والزبد والجبن بالمضروب ويؤخذ ذلك أيضا من الأبيات التي ذكرها أبو الحسن الصغير فإنه قال :

                                                                                                                            السمن والزبد والأجبان والأقط فالسمن بالزبد كل لا يجوز معا     والجبن بالأقط المذكور بيعهما
                                                                                                                            مماثلا ذاك عندي ليس ممتنعا     إن الحليب بهذا الكل ممتنع
                                                                                                                            وبالضريب مباح ما قد امتنعا     أما الحليب فبالمضروب بعه ولا
                                                                                                                            تبغ الزيادة في شيء فيمتنعا

                                                                                                                            [ ص: 359 ] وما ذكره من جواز بيع الجبن بالأقط جار على ما ذكرنا أنه أخذ من مفهوم كلام أبي إسحاق ويؤخذ مما ذكره أبو الحسن الصغير عن أبي إسحاق التونسي أنه لا يجوز بيع الأقط بالمضروب والمخيض ; لأنه ذكر أن المضروب يخرج منه الأقط وقد تقدم في تفسير الأقط نحوه وهو الظاهر وبهذا يخالف الزبد والسمن والجبن ; لأن هذه لا يخرج من المخيض والمضروب وقال الشيخ زروق في شرح الإرشاد لما ذكر الخلاف في بيع الجبن بالمضروب : وانظر هل الأقط مثله أم لا لم أقف على شيء في ذلك .

                                                                                                                            ( تنبيه ) قال ابن عرفة ابن حبيب : لا يباع رطب الجبن بيابسه ، ونحوه لمحمد ، انتهى . وهو خلاف قول اللخمي المتقدم لما ذكر جواز بيع الجبن بالجبن حيث قال إلا أن يكون اليابس بالطري ونقله ابن يونس وغيره ثم قال ابن عرفة ، قال مالك لا بأس بالحالوم الرطب بيابسه وبالمعصور القديم وبالجبن بالحالوم تحريا ، انتهى . وقال في النوادر ومن الواضحة : ولا يباع رطب الجبن بيابسه وهو كله صنف بقريه وغنميه . ومن كتاب محمد ولا بأس بيابس الجبن برطبه على التحري إن قدر على ذلك ولا يصلح بغير تحر محمد وإنما جاز على التحري لدخول الصنعة فيه ، انتهى .

                                                                                                                            ص ( وزيتون ولحم )

                                                                                                                            ش : كذا رأيته في نسخة بعطف الزيتون بالواو فيحسن قوله لا رطبها بضمير المؤنث العائد إلى المذكورات جميعها غير أنه لو أخر قوله بمثلها عن قوله وزيتون ولحم لكان أحسن وأما على النسخ المشهورة أعني قوله كزيتون ولحم بجر الزيتون بالكاف فلا يستقيم الكلام إلا على ما قاله ابن غازي والظاهر أن لفظ رطب تكرر في عبارة المصنف كما يفهم ذلك من كلام الشارح في الكبير وصرح بذلك البساطي وضبط الأول بضم الراء وفتح الطاء والثاني بفتح الراء وسكون الطاء

                                                                                                                            ص ( لا رطبهما بيابسهما )

                                                                                                                            ش : هذا مقيد في اللحم بما إذا لم يكن في اللحم أبزار وأما إن كان فيه أبزار فهو جنس آخر كما صرح به في توضيحه وتقدم عن اللخمي أيضا عند قول المصنف ومشوي وقديد ، والله أعلم .

                                                                                                                            ص ( ومبلول بمثله )

                                                                                                                            ش : والفرق بينه وبين المشوي والقديد كثرة الاختلاف في المبلول ; ولأن أسفله لا يساوي أعلاه بخلاف الشيء فإنه لا يختلف في الغالب قال في التوضيح وفيه نظر والفرق بين المبلول والعفن أن العفن لا صنع لهما فيه بخلاف البلل ; ولأن المبلول يختلف نقصه إذا يبس ; لأنه قد يكون أشد إنشافا من الآخر والعفن لا يختلف إذا تساويا في العفن قال ابن يونس : وفرق عبد الحق بأن المبلول يمكن الصبر عليه حتى ييبس والعفن ليس كذلك ، والله أعلم .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            الخدمات العلمية