الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                            مواهب الجليل في شرح مختصر خليل

                                                                                                                            الحطاب - محمد بن محمد بن عبد الرحمن الرعينى

                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ص ( أو استبرأ أب جارية ابنه ثم وطئها وتؤولت على وجوبه وعليه الأقل )

                                                                                                                            ش : يعني أن الأب إذا عزل جارية ابنه واستبرأها ثم وطئها بعد الاستبراء فإنه يملكها بل بمجرد تلذذه بها حرمت على الابن وملكها الأب وتلزمه قيمتها حملت أم لا كان موسرا أو معسرا إلا أنها تباع عليه إن كان معسرا ولم تحمل وإن حملت لم تبع وقد تقدم ذلك في النكاح فإذا ملكها بوطئه إياها بعد أن كان استبرأها فإنه لا يحتاج فيها إلى استبراء آخر بعد الوطء هذا هو المشهور قاله في التوضيح وعليه حمل أكثر الشيوخ قول ابن القاسم في المدونة وقال غير ابن القاسم في المدونة أنه يجب عليه الاستبراء من وطئه ولو كان استبرأها قبل ذلك وتأول ابن اللباد وابن الشقاق وابن الكاتب قول ابن القاسم في المدونة عليه وأنه موافق للغير وسيأتي بيانه وإليه أشار بقوله وتؤولت على وجوبه يعني الاستبراء وعليه الأقل يعني أن أقل الشيوخ على تأويلها على وجوب الاستبراء وأكثرهم على أنه لا يجب وإن قول الغير مخالف لقول ابن القاسم .

                                                                                                                            قال في المدونة : ومن وطئ جارية ابنه فقومت عليه فليستبرئها إذا لم يكن الأب قد عزلها عنده واستبرأها وقال غيره : لا بد أن يستبرئها لفساد وطئه وإن كانت مستبرأة عند الأب قال ابن القاسم : وكل وطء فاسد فلا يطأ فيه حتى يستبرئ انتهى فظاهر قول الغير أنه مخالف لقول ابن القاسم وعلى ذلك حملها اللخمي وابن رشد وابن الحاجب قال في التوضيح : وطريق الأكثر وذلك أن الأكثر فهموا قول ابن القاسم إذا لم يكن الأب عزلها عنده واستبرأها أنه لو استبرأها قبل الوطء لا يحتاج إلى استبراء بعده انتهى .

                                                                                                                            واختاروا قول ابن القاسم ورجحوه وردوا قول الغير بأنه وطء فاسد فإن الأب إذا تلذذ بجارية ولده حرمت على الابن ولزمت الأب القيمة فهي بمجرد مخالطتها ومباشرتها لزمته قيمتها وصارت ملكا له فما حصل وطؤه إلا في مملوكة والفرض أنه قد كان استبرأها فكفاه ذلك كما يكفي المودع استبراء الأمة قبل أن يستبرئها بل من اشترى أمة من فضولي وحاضت عند المشتري ثم أجاز ربها البيع قال في المدونة : هي المودعة يعني لا تحتاج إلى استبراء آخر بعد الإجازة بل الغاصب إذا حاضت عنده الأمة ثم ضمنها بوجه من وجوه الضمان أو اشتراها فله وطؤها من غير استبراء كما صرح به اللخمي وغيره وخالف ابن اللباد وابن الشقاق وابن الكاتب الأكثر وحملوا قول ابن القاسم على موافقته للغير وحملوا قول الغير فليستبرئها إذا لم يكن الأب قد عزلها عنده واستبرأها على أن المراد إذا قومت عليه فليستبرئها إذا لم يكن عزلها عنده واستبرأها بعد وطئه الفاسد .

                                                                                                                            واختار هذا التأويل ابن مرزوق شيخ ابن رشد [ ص: 172 ] وخالفه تلميذه ابن رشد وصحح مذهب الأكثر كما تقدم وقال القاضي عياض والذي عندي إن ما ذهب إليه ابن الكاتب أصوب وأنه مراد ابن القاسم بدليل قوله آخر المسألة لأنه وطء فاسد وكل وطء فاسد فلا يطأ فيه حتى يستبرئ فهو إنما علل بفساد الوطء كما علل به غيره ولو كان ما ذهب إليه القابسي لعلل بأنه لا يدري براءة رحمها ولم يعلل بفساد الوطء الذي يقول ابن القابسي أنه غير فاسد بإلزامه القيمة بالمباشرة فتأمله ، فهو بين انتهى .

                                                                                                                            من التنبيهات وما قاله فيه نظر أما أولا فليس في كلام ابن القاسم أنه وطء فاسد وإنما فيه وكل وطء فاسد فلا يطأ فيه حتى يستبرئ كما تقدم وكذلك اختصرها المختصرون وعلى تقدير وجوده ، فليس في كلامه إلا دعوى أن هذا الوطء فاسد من غير دليل وحمل كلام ابن القاسم على ذلك من غير دليل فإن الوطء إذا وقع في غير بريئة الرحم ، فهو فاسد وأما وطء الأب بعد الاستبراء فالقول بفساده لا وجه له ألا ترى أنه لو تلذذ بها ولم يطأها أليس له أن يلزمه قيمتها وتصير ملكا له على المعروف فتأمله والله أعلم .

                                                                                                                            وقال المصنف في التوضيح وقول الغير ظاهر انتهى ، فكأنه اختار قول الغير وقد تبين أن قول ابن القاسم هو الراجح الظاهر المشهور والله أعلم .

                                                                                                                            وقال في التوضيح وأشار التونسي إلى أن قول الغير مبني على قول ابن عبد الحكم إن الأب لا يضمن القيمة بوطئها بل يكون للابن التماسك بها في عسر الأب ويسره انتهى . يريد إذا لم تحمل وعزاه غير المصنف لسحنون وعبد الملك وهو ظاهر إلا أن ابن عرفة رده في لفظ الغير لا ينبغي صب مائه على الماء الذي لزمته له القيمة فإن كان هذا في لفظه فلا يتجه حمله على قول سحنون وابن عبد الحكم والله أعلم .

                                                                                                                            ( تنبيهان الأول ) أما لو وطئها قبل أن يستبرئها فقومت عليه لم يكن له وطؤها بعد التقويم إلا بعد استبراء ; لأنه يمكن أن يكون رحمها مشغولا من غير كما تقدم في لفظ المدونة ( الثاني ) وقع في عبارة الشارح في شروحه الثلاثة ما نصه وفهم ابن اللباد وابن الشقاق قوله فليستبرئها إن لم يكن عزلها عنده واستبرأها على أن المراد قبل وطئه وإن كان فعل ذلك بعد وطئه ، فلا يحتاج إلى استبراء لأن الاستبراء لا يحتاج إلى قصد ونية انتهى . وهذا إما أن يكون تبدلت لفظة بعد بقبل أو يكون سقط منه شيء والمراد قبل وطئه إياها بعد التقويم أو قبل وطئه إياها ثانيا ونحو ذلك وقوله إلا أن الاستبراء لا يحتاج إلى قصد ونية تعليل لقوله إن لم يكن فعل ذلك يعني أنه يستبرئها إن لم يكن حصل منه استبراء بأن يكون عزلها وتركها ووطئها فحاضت فإن الاستبراء لا يحتاج إلى قصد ونية والله أعلم .

                                                                                                                            ثم قال في الأوسط والصغير : وكلام الغير يشعر بأن الاستبراء واجب على الأب لفساد وطئه وهو رأي الأقلين وإليه أشار بقوله وتؤولت على الوجوب انتهى . وما قاله ليس بظاهر فإن كلامه صريح في إيجاب الاستبراء على الأب وقوله رأي الأقلين يعني وجوب الاستبراء لكن هو رأيهم لحملهم كلام ابن القاسم على موافقة الغير وقال في الكبير وكلام الغير يشعر بالمخالفة لابن القاسم لقوله لفساد الوطء ، وعليه فيجب الاستبراء على الأب ، وهو رأي الأقلين ، وإليه أشار بقوله إلى آخره انتهى ، وهو قريب من كلامه الأول والله أعلم . وقال البساطي وقال ابن اللباد وابن الشقاق قوله إذا لم يكن الأب عزلها أي ولم يطأها وأما إذا وطئها فلا بد منه ويعضده قول غيره لفساد وطئه ; لأنه إذا لم يكن وطئ يقال لفساد وطئه وهاهنا كلمات لم أقدر على سماعها انتهى . وما ذكره عن ابن اللباد وابن الشقاق لم يقولاه وقد عرفت كلامهما وما وقع لبعض أهل المذهب من الكلام وهل هو حسن أم لا والله أعلم .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            الخدمات العلمية