الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                            مواهب الجليل في شرح مختصر خليل

                                                                                                                            الحطاب - محمد بن محمد بن عبد الرحمن الرعينى

                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ص ( إلا أن يهلك بعيب التدليس ، أو بمساوي زمنه كموته في إباقه )

                                                                                                                            ش : هذا مخرج من قوله والمخرج عن المقصود مفيت قال في كتاب التدليس [ ص: 457 ] من المدونة ومن باع عبدا دلس فيه بعيب فهلك العبد بسبب ذلك العيب ، أو نقص فضمانه من البائع ، ويرد جميع الثمن كالتدليس بمرض فيموت ، أو بالسرقة فيسرق فتقطع يده فيموت من ذلك ، أو يحيى ، أو بالإباق فيأبق فيهلك ولابن شهاب ، أو بالجنون فيخنق فيموت .

                                                                                                                            قال مالك : وهذا بعد أن يقيم المبتاع البينة فيما حدث من سبب عيب التدليس ، وأما ما حدث به من غير سبب التدليس فلا يرده مع ما نقصه بذلك ، أو يحبسه ويرجع بعيب التدليس كما فسرنا ا هـ .

                                                                                                                            قال أبو الحسن قوله : فيأبق فيهلك ; ظاهر هذا أن البائع لا يضمن ذلك إذا دلس بالإباق إلا إذا هلك العبد ، وليس كذلك بل يضمن إذا أبق فغاب - عرف هلاكه أم لا - وهو بين في الأمهات ولفظها : أو أبق ، فلم يرجع ، واختصره ابن يونس : فهلك ، أو ذهب ، ولم يرجع .

                                                                                                                            وظاهر الأمهات أنه بنفس إباقه يضمنه ا هـ .

                                                                                                                            ( قلت : ) وصرح بذلك ابن رشد في أول مسألة من رسم أول عبد ابتاعه من سماع يحيى من كتاب العيوب ، ونصه : إذا دلس بالإباق فأبق العبد ، ولم يرجع كان على البائع أن يرد الثمن ويطلب عبده ا هـ . وصرح بذلك أيضا اللخمي في تبصرته في باب من باع عبدا وبه عيب فهلك منه ، أو به فقال : ومن باع عبدا ، وبه عيب فهلك منه ، أو تنامى إلى أكثر ، فإن لم يدلس رجع بقيمة العيب إن هلك ، وإن تنامى إلى أكثر كان له أن يمسك ويرجع بقيمته ، أو يرد قيمة ما تنامى فيه ، وإن دلس بالعيب رجع بجميع الثمن إن مات ، وله أن يرد إن تنامى ويرجع بجميع الثمن ، وإن دلس بمرض فمات منه رجع بجميع الثمن ، وفي كتاب محمد : ومن يعلم أنه مات منه ، وكذلك الأمة يدلس بحملها فتموت من النفاس فقال في المدونة : هي من البائع ، وقال أشهب في كتاب محمد : لو علم أنها ماتت من النفاس لكانت من البائع والأول : أحسن ; لأن ذلك مما يدرك معرفته كالسل ، والاستسقاء يدوم بصاحبه والنفاس تموت بفوره ، ويرد هذه العيوب إذا ماتت ، أو تنامت قبل معرفته بها إن قام بقرب ما علم ، وإن تراخى يرى أنه راض لم يكن له قيام ، وإن أتى من ذلك بما يشكل أمره هل هو راض حلف أنه لم يكن رضي وقام ، فإن دلس بسرقة فسرق فقطعت يده رده أقطع ويرده بجميع الثمن .

                                                                                                                            وإن كانت السرقة لا قطع فيها رده بجميع الثمن ، وكانت معاملة المسروق منه في تلك الجناية من البائع يفتدي منه ، أو يسلمه ، وإن كان البائع غير مدلس كان المشتري بالخيار بين أن يمسك ويأخذ قيمة العيب ، أو يرد وما نقصه القطع ، وإن لم يقطع كان بالخيار بين أن يسلمه للمجني عليه ويرجع بالعيب ، أو يفتديه ويرده على البائع واختلف إذا كانت سرقته من المشتري فقال مالك : ذلك في ذمته ، وقال سحنون : في رقبته وقال ابن حبيب : ذلك ساقط ; لأنه عبد حتى يحكم برده ، والأول : أحسن ; لأن كل ما فعله العبد مما دلس به السيد فكأنه فعله عند بائعه فلا يسقط ، فإن سرق من موضع أذن له فيه كان له في ذمته ، وإن لم يأذن له كان في رقبته ، وإن ذهب يسرق فمات ، أو سقط من موضع فهلك في ذهابه ، أو رجوعه كان من بائعه ، وإن دلس بالإباق فأبق رجع بجميع الثمن بنفس إباقه ، وإن كان حيا ، وعلى بائعه أن يطلبه ، وكذلك إن مات ، وقال ابن دينار : وإن لم يهلك من سبب الإباق له أن يرجع بالعيب ، وإن هلك بسببه مثل أن يقتحم نهرا ، أو يدخل بئرا فتنهشه حية ، أو يتردى في مهواة ، أو من جبل فيهلك رجع بجميع الثمن ، وأما إن مات موتة ، أو يكون سالما في إباقه ، أو يجهل أمره فلا يدري ما انتهى إليه حاله فلا أرى أن يرجع إلا بقيمة عيب الإباق ، والأول : أحسن ; لأنه بنفس الإباق وجب رجوع الثمن ; لأنه الوجه الذي دلس به ، وذهب به من يد مشتريه ا هـ . وفهم من كلامه أنه إذا كان البائع غير مدلس وأبق العبد ، ومات في إباقه ، ولم يرجع أنه لا يرجع على البائع إلا بقيمة الإباق فقط ، ونحوه في التلقين في فصل العيوب ، ونحوه أيضا لابن يونس فإنه قال : روى [ ص: 458 ] سحنون أن السبعة من فقهاء التابعين قالوا فيمن دلس بعيب في عبد ، أو أمة فهلكت بسبب ذلك الأمة ، أو العبد فهما من البائع وأخذ منه المبتاع الثمن كله .

                                                                                                                            قال بعض البغداديين : دليله المرأة تغر من نفسها أن لزوجها الرجوع بجميع الصداق إلا قدر ما يستحل به فرجها ; لأنها مدلسة بذلك العيب فكذلك هذا .

                                                                                                                            قال مالك فيمن باع عبدا فدلس فيه بعيب فهلك العبد بسبب ذلك العيب ، أو نقص فضمانه من البائع ويرد جميع الثمن كالتدليس بالمرض فيموت ، أو بالسرقة فتقطع يده فيموت من ذلك ، أو يحيى ، أو بالإباق فيأبق فيهلك ، أو يذهب ، فلم يرجع .

                                                                                                                            قال ابن شهاب : أو بالجنون فاختنق فمات فهذا كله ضمانه من البائع ويرد جميع الثمن بعد أن يقيم المبتاع البينة على العيب ، وأن البائع باع بعد العلم به ، فإن ثبت علم البائع بهذا كله حين البيع رد جميع الثمن .

                                                                                                                            قال ابن القاسم : وإن كان لم يدلس ; لأنه باعه ، وهو يعلم العيب فليس للمشتري إلا قيمة عيبه ، ولو قال : علمت العيب ولكن نسيت أن أذكره عند البيع حلف على ذلك ، ولم يكن له إلا قيمة العيب ا هـ . وكلام اللخمي في المسألة الآتية أعني قوله : وإن باعه المشتري وهلك فعيبه صريح في ذلك ، وقال في المسائل الملقوطة من اشترى أمة ، ثم غاب البائع ، واطلع المشتري على عيب في الجارية ، فلم يحضر البائع حتى ماتت الجارية من العيب فإن المشتري يثبت العيب ، ثم ينظر أهل المعرفة إن كان مما يحدث مثله في مدة الشراء فلا رجوع على البائع ، وإن كان مثله ما لا يحدث في مدة الشراء فإنه لا يلزمه الغرم يعني غرم الأرش خاصة لا غرم جميع الثمن قاله الجزولي عند قوله : من اشترى عبدا فوجد به عيبا ، وإن لم يثبت العيب فإنه يحلف أنه باعه هذه الجارية ، ولا يعلم بها عيبا ترد به ويثبت العيب بشاهد ويمين ، وحيث كان له أن يرد فصرح بالرد ، ثم هلك المبيع قبل وصوله إلى يد البائع ، فهل يكون ضمانه منه ، أو من المشتري ؟ .

                                                                                                                            ثلاثة أقوال يفرق فيها بين أن يحكم بها حاكم ، فيكون من البائع ، وإلا فمن المشتري ا هـ . وهذا إذا لم يدلس ، وأما المدلس ، فإنه يلزمه غرم جميع الثمن إذا ماتت الجارية بعيب التدليس ، وأما المسألة الأخيرة فإن الذي مشى عليه المصنف أنه لا ينتقل ضمانها للبائع إلا أن يرضى بالنقص ، أو يثبت عند حاكم وجود العيب ، وإن لم يحكم به حيث قال ودخلت في ضمان البائع إن رضي بالنقص ، أو ثبت عند حاكم ، وإن لم يحكم ، والله أعلم .

                                                                                                                            فتحصل من هذا أنه إذا هلك من العيب ، فإن دلس به البائع رجع عليه المشتري بجميع الثمن ، وإن لم يدلس رجع عليه بقيمة العيب فقط والله أعلم .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            الخدمات العلمية