ولما علم أن هذه الآيات قد ترابطت حتى كانت آية واحدة ، وختم بأن مضمون قوله : فقد كذبوا بالحق لما جاءهم  الآية ، قد صار وصفا لهم ثابتا حتى ظهر في يوم الجمع ، قسم الموسومين بما كانت تلك الآية سببا له ، وهو الإعراض عن الآيات المذكور في قوله إلا كانوا عنها معرضين  فكان كأنه قيل : فمنهم من أعرض بكليته ، فعطف عليه قوله : ومنهم من يستمع إليك   أي : يصغي بجهده كما في السيرة عن أبي جهل بن هشام   وأبي سفيان بن حرب  والأخنس بن شريق  أن كلا منهم جلس عند بيت النبي - صلى الله عليه وسلم - في الليل يستمع القرآن . 
لا يعلم أحد منهم بمجلس صاحبه ، فلما طلع الفجر  [ ص: 84 ] انصرفوا فضمهم الطريق فتلاوموا وقالوا : لو رآكم ضعفاؤكم لسارعوا إليه ، وتعاهدوا على أن لا يعودوا ، ثم عادوا تمام ثلاث ليال ، ثم سأل الأخنس   أبا سفيان  عما سمع فقال : سمعت أشياء عرفتها وعرفت المراد منها ، وأشياء لم أعرفها ولم أعرف المراد منها ، فقال : وأنا كذلك ، ثم سأل أبا جهل  فأجاب بما يعرف منه أنه علم صدقه وترك تصديقه حسدا وعنادا ، وذلك هو المراد من قوله : وجعلنا  أي : والحال أنا قد جعلنا على قلوبهم أكنة  أي : أغطية ، جمع كنان أي : غطاء أن  أي : كراهة أن يفقهوه  أي : القرآن وفي آذانهم وقرا  أي : ثقلا يمنع من سمعه حق السمع ؛ لأنه يمنع من وعيه الذي هو غاية السماع ، فهم لا يؤمنون بما يسمع منك لذلك . 
ولما ذكر ما يتعلق بالسمع - ذكر ما يظهر للعين ، معبرا بما يعم السمع وغيره من أسباب العلم ، فقال :وإن يروا  أي : بالبصر أو البصيرة كل آية  أي : من آياتنا سواه لا يؤمنوا بها  لما عندهم من العناد والنخوة في تقليد الآباء والأجداد حتى  كانت غايتهم في هذا الطبع على قلوبهم أنهم مع عدم فقههم إذا جاءوك يجادلونك  أي : بالفعل أو بالقوة ، والغاية داخلة ، وكأنه قيل تعجبا : ماذا يقولون في جدالهم؟ فقال مظهرا للوصف الذي أداهم إلى ذلك : يقول الذين كفروا  أي : غطوا لما هو ظاهر لعقولهم ، وهو معنى الطبع إن  أي : ما  [ ص: 85 ] هذا  أي : الذي وصل إلينا إلا أساطير  جمع سطور وأسطر جمع سطر ، وهي أيضا جمع إسطار وإسطير بكسرهما وأسطور ، وبالهاء في الكل الأولين  وقد قال ذلك النضر بن الحارث ،  فصدق قوله إخبار هذه الآية 
				
						
						
