الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 116 ] ولما كان من عادة الغالب من أهل الدنيا أن يفوته آخر الجيوش وشذابهم لملل أصحابه من الطلب وضجرهم من النصب والتعب وقصورهم عن الإحاطة بجميع الأرب - أخبر تعالى أن أخذه على غير ذلك ، وأن نيله للآخر كنيله للأول على حد سواء ، فقال مسببا عن الأخذ الموصوف مشيرا بالبناء للمفعول إلى تمام القدرة ، وبالدابر إلى الاستئصال : فقطع دابر أي : آخر القوم الذين ظلموا أي : بوضع الشيء في غير موضعه دأب الماشي في الظلام ، وضعوا لقسوة موضع الرقة التي تدعو إليها الشدة ، ووضعوا الفرح بالنعمة موضع الخشية من الرد إلى الشدة ، كما ظلمتم أنتم بدعاء الأصنام وقت الرخاء وكان ذلك موضع دعاء من أفاض تلك النعم ، ودعوتم الله وقت الشدة وكان ذلك موضع دعاء من عبدتموه وقت الرخاء ، لئلا تقعوا فيما جرت عادتكم بالذم به .


                                                                                                                                                                                                                                      وإذا تكون كريهة أدعى لها وإذا يحاس الحيس يدعى جندب



                                                                                                                                                                                                                                      ولما كان استئصالهم من أجل النعم على من عادوهم فيه من الرسل - عليهم السلام - وأتباعهم - رضي الله عنهم - نبه على ذلك بالجملة مع ما يشير [ ص: 117 ] إليه من ظهور الاستغناء المطلق - فقال : والحمد أي : قطع أمرهم كله والحال أن الإحاطة بأوصاف الكمال لله المتفرد بنعوت الجلال والجمال رب العالمين الموجد لهم أجمعين ، أي : له ذلك كله بعد فناء الخلق على أي صفة كانوا من إيمان أو كفر ، كما كان له ذلك قبل وجودهم وعند خلقهم على كل من حالتيهم - كما أشير إليه بأول السورة ، فكأنه قيل : الكمال لله الذي خلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور ، ثم الذين كفروا بربهم يعدلون ، فقطع دابرهم ، والكمال له لم يتغير ؛ لأنه لا يزيده وجود موجود ، ولا ينقصه فقد مفقود ، فهو محمود حال الإعدام والمحق كما كان محمودا حال الإيجاد والخلق ، فلا تذهب نفسك عليهم حسرات ، فإنه لا يخرج شيء عن إيمانهم ولا كفرانهم عن إرادته - سبحانه - فلا عليك منهم اقترحوا الآيات أو لا ، فإنه ليس عليك إلا البلاغ .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية