ولما كانت الأمور السماوية مشاهدة لجميع الخلق : دانيهم وقاصيهم ، وهي أشرف من الأرضية ، فإذا بطلت صلاحيتها للإلهية بطلت الأرضية من باب الأولى; نصب لهم الحجاج في أمرها ، فقال مسببا عن الإراءة المذكورة : فلما جن أي : ستر وأظلم ، وقصره - وإن كان متعديا - دلالة على شدة ظلام تلك الليلة ؛ ولذلك عداه بأداة الاستعلاء فقال : عليه الليل أي : وقع الستر عليه ، فحجب ملكوت الأرض فشرع ينظر في ملكوت السماء رأى كوكبا أي : قد بزغ ، فكأنه قيل : فماذا [ ص: 159 ] فعل؟ فقيل : قال هذا ربي فكأنه من بصره أن أتى بهذا الكلام الصالح لأن يكون خبرا واستفهاما ، ليوهمهم أنه مخبر ، فيكون ذلك أنفى للغرض وأنجى من الشعب ، فيكون أشد استجلابا لهم إلى إنعام النظر وتنبيها على موضع الغلط وقبول الحجة ، ولمثل ذلك ختم الآية بقوله : فلما أفل أي : غاب بعد ذلك الظهور الذي كان آية سلطان قال لا أحب الآفلين لأن الأفول حركة ، والحركة تدل على حدوث المتحرك وإمكانه ، ولا نظن أن يظن به أنه قال ما قاله أولا عن اعتقاد ربوبية الكواكب ؛ لأن الله تعالى قد دل على بطلان هذا التوهم بالإخبار بأنه أراه ملكوت الخافقين وجعله موقنا ، فأسند الأمر إلى نفسه تنبيها لهم ، واستدل بالأفول لأن دلالته لزوال سلطانه وحقارة شأنه أتم ، ولم يستدل بالطلوع لأنه - وإن كان حركة دالة على الحدوث والنقصان - شرف في الجملة وسلطان ، فالخواص يفهمون من الأفول الإمكان ، والممكن لا بد له من موجد واجب الوجود ، يكون منتهى الآمال ومحط الرحال وأن إلى ربك المنتهى والأوساط يفهمون منه الحدوث للحركة ، فلا بد من الاستناد إلى قديم ، [ ص: 160 ] والعوام يفهمون أن الغارب كالمعزول لزوال نوره وسلطانه ، وأن ما كان كذلك لا يصلح للإلهية ، وخص الأفول أيضا لأن قومه الفرس كانوا منجمين ، ومذهبهم أن الكوكب إذا كان صاعدا من المشرق إلى وسط السماء كان قويا عظيم التأثير ، فإذا كان نازلا إلى المغرب كان ضعيف الأثر ، والإله هو من لا يتغير ، وهذا الاستدلال برهان في أن أصل الدين مبني على الحجة دون التقليد .