ولما ذكر - تعالى - تفاصيل سفههم ، وأشار إلى معانيها ، جمعها - وصرح بما أثمرته من الخيبة - في سبع خلال كل واحدة منها سبب تام في حصول الندم فقال : قد خسر   وأظهر في موضع الإضمار تعميما وتعليقا للحكم بالوصف ، فقال : الذين قتلوا  قرأها ابن عامر وابن كثير بالتشديد لإرادة التكثير والباقون بالتخفيف أولادهم سفها  أي : خفة إلى  [ ص: 287 ] الفعل المذموم وطيشا ، تؤزهم الشياطين الذين يتكلمون على ألسنة الأصنام أو سدنتها إلى ذلك أزا . 
ولما كان السفه منافيا لرزانة العلم الذي لا يكون الفعل الناشئ عنه إلا عن تأن وتدبر وتفكر وتبصر ، قال مصرحا بما أفهمه : بغير علم  أي : وأما من قتل ولده بعلم - كما إذا كان كافرا أو قاتلا أو محصنا زانيا - فليس حكمه كذلك. ولما ذكر عظيم ما أقدموا عليه - ذكر جليل ما أحجموا عنه فقال : وحرموا ما رزقهم الله  أي : الذي لا ملك سواه رحمة لهم ، من تلك الأنعام والغلات ، بغير شرع ولا نفع بوجه افتراء  أي : تعمدا للكذب على الله  أي : الذي له جميع العظمة . 
ولما كانوا قد خسروا ثلاث خسرات مع ادعائهم غاية البصر بالتجارات : النفس بقتل الأولاد ، والمال بتحريم ما رزقهم الله ، فأفادهم ذلك خسارة الدين - كانت نتيجته قوله : قد ضلوا  أي : جاوزوا وحادوا عن الحق وجاروا. ولما كان الضال قد تكون ضلالته فلتة عارضة له ، وتكون الهداية وصفا أصيلا فيه ، نبه على أن الضلال وصفهم الثابت بقوله : وما كانوا  أي : في شيء من هذا من خلق من الأخلاق مهتدين  أي : لم يكن في كونهم وصف الهداية ، بل زادوا بذلك ضلالا. قال  البخاري  في (المناقب) من صحيحه : حدثنا  [ ص: 288 ] أبو النعمان  ، حدثنا  أبو عوانة  عن أبي بشر  عن  سعيد بن جبير  عن  ابن عباس   - رضي الله عنهما - قال : إذا سرك أن تعلم جهل العرب  فاقرأ ما فوق الثلاثين ومائة في سورة الأنعام قد خسر الذين قتلوا أولادهم سفها   - إلى قوله : وما كانوا مهتدين  وله في وفد بني حنيفة  من المغازي عن  مهدي بن ميمون  قال : سمعت  أبا رجاء العطاردي  يقول : كنا نعبد الحجر فإذا وجدنا حجرا أحسن منه ألقيناه فأخذنا الآخر ، وإذا لم نجد حجرا جمعنا جثوة من تراب ثم جئنا بالشاة فحلبنا عليه ثم طفنا به ، فإذا دخل شهر رجب قلنا : منصل الأسنة ، فلا ندع رمحا فيه حديدة ولا سهما فيه حديدة إلا نزعناه فألقيناه [شهر رجب] . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					