[ ص: 316 ] ولما أبطل دينهم كله أصولا وفروعا في التحريم والإشراك ، وبين فساده بالدلائل النيرة - ناسب أن يخبرهم بالدين الحق مما حرمه الملك الذي له الخلق والأمر ومن غيره ، فليس التحريم لأحد غيره فقال : قل تعالوا   أي : أقبلوا إلي صاعدين من حضيض الجهل والتقليد وسوء المذهب إلى أوج العلم ومحاسن الأعمال. قال صاحب (الكشاف) : هو من الخاص الذي صار عاما ، يعني : حتى صار يقوله الأسفل للأعلى أتل  أي : أقرأ ، من التلاوة وهي إتباع بعض الحروف بعضا . ولما كان القصد عموم كل أحد بالتلاوة [وإنما خص المخاطبين بالذكر لاعتقادهم خلاف ذلك] ، وكان المحرم أهم - قدمه فقال : ما حرم ربكم  أي : المحسن إليكم بالتحليل والتحريم عليكم  فسخطه منكم ، وما وصاكم به إقداما وإحطاما فرضيه لكم من قبيلي الأصول والفروع. ثم فسر فعل التلاوة ناهيا عن الشرك ، وما بعده من مضمون الأمر إنما عدي عنها ، فقال : ألا تشركوا به شيئا  الآيات . مرتبا جملها أحسن ترتيب ، فبدأ بالتوحيد في صريح البراءة من الشرك إشارة إلى أن التخلي عن الرذائل قبل التحلي بالفضائل  ، فإن التقية بالحمية قبل الدواء ، وقرن به البر لأنهما من باب شكر المنعم وتعظيما لأمر العقوق ، ثم أولاه القتل الذي هو أكبر الكبائر  بعد الشرك ، وبدأه بقتل الولد ؛ لأنه أفحشه وأفحش من مطلقه  [ ص: 317 ] فعله خوف القلة ، فلما وصى بأول واجب للمنعم الأول الموجد من العدم - أتبعه ما لأول منعم بعده بالتسبب في الوجود ، فقال ناهيا عن الإساءة في صورة الأمر بالإحسان على أوكد وجه لما للنفوس من التهاون في حقهما ، وكذا جميع المأمورات ساقها هذا السياق المفهم لأن أضدادها منهي عنها ليكون مأمورا بها منهيا عن أضدادها ، فيكون ذلك أوكد لها وأضخم : وبالوالدين  أي : افعلوا بهما إحسانا  
ولما أوصى بالسبب في الوجود - نهى عن التسبب في الإعدام وبدأ بأشده فقال : ولا تقتلوا أولادكم  ولما كان النهي عاما ، وكان ربما وجب على الولد قتل - خص لبيان الجهة فقال : من إملاق  أي : من أجل فقر حاصل بكم ، ثم علل ذلك ، ولأجل أن الظاهر هو حصول الفقر قدم الآباء ، فقال : نحن نرزقكم  بالخطاب ، أي : أيها الفقراء ، ثم عطف عليه الأبناء فقال : وإياهم  وظاهر قوله في الإسراء : خشية إملاق  أن الآباء موسرون ولكنهم يخشون من إطعام الأبناء - الفقر ، فبدأ بالأولاد فقال : (نحن نرزقهم) ثم عطف الآباء فقال (وإياكم) - نبه عليه أبو حيان   . 
ولما كان قتلهم أفحش الفواحش بعد الشرك - أتبعه النهي عن مطلق الفواحش ، وهي ما غلظت قباحته ، وعظم أمرها بالنهي عن  [ ص: 318 ] القربان فضلا عن الغشيان ، فقال : ولا تقربوا الفواحش  ثم أبدل منها تأكيدا للتعميم قوله : ما ظهر منها  أي : الفواحش وما بطن  ثم صرح منها بمطلق القتل تعظيما له بالتخصيص بعد التعميم ، فقال : ولا تقتلوا النفس التي حرم الله  أي : الملك الأعلى عليكم قتلها إلا بالحق  أي : الكامل ، ولا يكون كاملا إلا وهو كالشمس وضوحا لا شبهة فيه ، فصار قتل الولد منهيا عنه ثلاث مرات. ثم أكد المذكور بقوله : ذلكم  أي : الأمر العظيم في هذه المذكورات . 
ولما كانت هذه الأشياء شديدة على النفس ، ختمها بما لا يقوله إلا المحب الشفوق ليتقبلها القلب ، فقال : وصاكم به  أمرا ونهيا; ولما كانت هذه الأشياء لعظيم خطرها وجلالة وقعها في النفوس لا تحتاج إلى مزيد فكر قال : لعلكم تعقلون  أي : لتكونوا على رجاء من المشي على منهاج العقلاء ، فعلم من ذكر الوصية أن هذه المذكورات هي الموصى بها والمحرمات أضدادها ، فصار شأنها مؤكدا من وجهين : التصريح بالتوصية بها ، والنهي عن أضدادها . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					