وقال بعضهم : إنما كره الإفراط جمعا بين قوليه ، قال أحمد في الدراعة : الفرج من بين يديها قد سمعت ، ولم أسمع من خلفها إلا أن فيه سعة عند الركوب ، ومقنعة ، ويكره إن وصف البشرة لرجل وامرأة حي وميت نص عليه .
وقال أبو المعالي وغيره : لا يجوز لبسه ، وذكره جماعة لا يكره لمن لم يرها إلا زوج وسيد ، وذكر أيضا أبو المعالي وإن وصف اللين والخشونة والحجم كره للنساء فقط ، وكره أحمد والأصحاب زي الأعاجم كعمامة صماء ، وكنعل صرارة للزينة لا للوضوء ونحوه ، ويكره شهرة وخلاف زي بلده ، وقيل : يحرم ونصه لا ، قال شيخنا : يحرم شهرة وهو ما يقصد به الارتفاع ، وإظهار التواضع ، كما كان السلف يكرهون الشهرة من اللين المرتفع ، والمنخفض ولهذا في الخبر { من لبس ثوب شهرة ألبسه الله ثوب مذلة } فعاقبه بنقيض قصده ، وظاهر كلام غيره يكره ، وليس بمراد إن شاء الله تعالى ، فإن هذا من الرياء ، وقد كره أحمد الكلة : وهي قبة لها بكرة تجريها ، وقال : هي من الرياء لا ترد حرا ، ولا بردا ، وكره أبو المعالي الجلوس متربعا على وجه التكبر والتجبر ، ويسن غسله من عرق ووسخ ، قال القاضي وغيره : نص عليه في رواية المروذي وغيره ، واحتج بأن النبي صلى الله عليه وسلم قال { أما يجد هذا ما يغسل به ثوبه } ورأى رجلا شعثا فقال : { أما كان يجد هذا ما يسكن به رأسه } وهذا الخبر رواه أحمد [ ص: 346 ] وأبو داود والنسائي من حديث جابر ، واحتج القاضي بما رواه وكيع عن عمر " من مروءة الرجل نقاء ثوبه " وعلله أحمد بأنه منقطع .
وقال ينبغي غسله ، فيتوجه من تعليله الوجوب ، وفي ينبغي الخلاف ، وذكر بعض أصحابنا ما يروى عن عمر : " ألا يتجمل أحدكم لامرأته كما تتجمل له " قيل لأحمد يؤجر في ترك الشهوات ؟ قال : نعم ، ومراده لا أن يمتنع منها مطلقا ، قال شيخنا : من فعل هذا فجاهل ضال ، وفي الصحيحين من حديث أنس : { أنه بلغه هذا عن أناس فخطب وقال : من رغب عن سنتي فليس مني } ولأحمد ومسلم من حديث ابن مسعود : { أن رجلا قال : يا رسول الله ; إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنا ونعله حسنا ، فقال : إن الله جميل يحب الجمال } وعن عبد الله بن عمر مرفوعا : { كلوا ، واشربوا ، والبسوا ، وتصدقوا في غير إسراف ولا مخيلة } رواه البخاري وأحمد وزاد : { فإن الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده } وروى الترمذي هذه الزيادة وحسنها وقال : " أثر نعمته " .
ولأحمد ، ثنا روح ، ثنا شعبة عن الفضيل بن فضالة ، ثنا أبو رجاء العطاردي ، قال : خرج علينا عمران بن حصين وعليه مطرفة من خز لم نرها عليه قبل ذلك ولا بعده ، فقال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { من أنعم الله عليه نعمة فليظهرها فإن الله يحب أن يرى أثر نعمته على خلقه قال روح مرة على عبده } إسناده جيد مع تفرد شعبة عن الفضيل ، وعن سهل بن معاذ الجهني عن أبيه مرفوعا : { من ترك أن يلبس صالح الثياب وهو يقدر عليه تواضعا لله دعاه الله على رءوس الخلائق حتى يخيره في حلل الإيمان أيتهن [ ص: 347 ] شاء } في إسناده ضعف ، رواه أحمد والترمذي وحسنه وقال صاحب النظم : ويكره مع طول الغناء لبسك الرديء ، فأطلق واقتصر على الكراهة وقال :
ومن يرتضي دون اللباس تواضعا سيكسى الثياب العبقريات في غد
ولا بد في ذلك أن يكون لله ، لا لعجب ، ولا شهرة ، ولا غيره ، قال جماعة : والتوسط في الأمور أولى ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه بحسب الحال لا يمتنعون من موجود ، ولا يتكلفون مفقودا ، فنسأل الله أن يهدينا طريقهم ، فأما الإسراف في المباح فالأشهر لا يحرم ، على ما يأتي ، في الحجر ، وتبرع المريض ، وحرمه شيخنا ، وقد سبق خبر عبد الله بن عمرو ، فأما شكر الله فمستحب ، ويأتي في الوليمة خلاف في الحمد لله على الطعام فيتوجه مثله في اللباس ، ثم إن وجب فعدمه لا يمنع الحل على ما يأتي في الأطعمة .وقال شيخنا بعد أن ذكر من امتنع من فعل المباحات كأكل ولبس ويظن أن هذا مستحب جاهل ، ضال ، فإن الله أمر بالأكل من الطيب ، والشكر له ، وهو العمل بطاعته بفعل المأمور ، وترك المحظور ، ومن أكل ولم يشكر كان معاقبا على ما تركه من فعل الواجبات ، ولم تحل له الطيبات ، فإن الله أحلها لمن يستعين بها على طاعته كما قال : { ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا } الآية ، ولهذا لا يجوز أن يعان الإنسان بالمباحات على المعاصي وقوله تعالى : { ثم لتسألن يومئذ عن النعيم } أي عن الشكر ، فطالب العبد بأداء شكر الله عليه ، فإن الله لا يعاقب إلا على ترك مأمور وفعل محظور .


