الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          وكره أحمد الزيق العريض للرجل ، واختلفت الرواية فيه للمرأة ( م 11 ) ، قال القاضي : إنما كرهه [ ص: 345 ] لإفضائه إلى الشهرة .

                                                                                                          وقال بعضهم : إنما كره الإفراط جمعا بين قوليه ، قال أحمد في الدراعة : الفرج من بين يديها قد سمعت ، ولم أسمع من خلفها إلا أن فيه سعة عند الركوب ، ومقنعة ، ويكره إن وصف البشرة لرجل وامرأة حي وميت نص عليه .

                                                                                                          وقال أبو المعالي وغيره : لا يجوز لبسه ، وذكره جماعة لا يكره لمن لم يرها إلا زوج وسيد ، وذكر أيضا أبو المعالي وإن وصف اللين والخشونة والحجم كره للنساء فقط ، وكره أحمد والأصحاب زي الأعاجم كعمامة صماء ، وكنعل صرارة للزينة لا للوضوء ونحوه ، ويكره شهرة وخلاف زي بلده ، وقيل : يحرم ونصه لا ، قال شيخنا : يحرم شهرة وهو ما يقصد به الارتفاع ، وإظهار التواضع ، كما كان السلف يكرهون الشهرة من اللين المرتفع ، والمنخفض ولهذا في الخبر { من لبس ثوب شهرة ألبسه الله ثوب مذلة } فعاقبه بنقيض قصده ، وظاهر كلام غيره يكره ، وليس بمراد إن شاء الله تعالى ، فإن هذا من الرياء ، وقد كره أحمد الكلة : وهي قبة لها بكرة تجريها ، وقال : هي من الرياء لا ترد حرا ، ولا بردا ، وكره أبو المعالي الجلوس متربعا على وجه التكبر والتجبر ، ويسن غسله من عرق ووسخ ، قال القاضي وغيره : نص عليه في رواية المروذي وغيره ، واحتج بأن النبي صلى الله عليه وسلم قال { أما يجد هذا ما يغسل به ثوبه } ورأى رجلا شعثا فقال : { أما كان يجد هذا ما يسكن به رأسه } وهذا الخبر رواه أحمد [ ص: 346 ] وأبو داود والنسائي من حديث جابر ، واحتج القاضي بما رواه وكيع عن عمر " من مروءة الرجل نقاء ثوبه " وعلله أحمد بأنه منقطع .

                                                                                                          وقال ينبغي غسله ، فيتوجه من تعليله الوجوب ، وفي ينبغي الخلاف ، وذكر بعض أصحابنا ما يروى عن عمر : " ألا يتجمل أحدكم لامرأته كما تتجمل له " قيل لأحمد يؤجر في ترك الشهوات ؟ قال : نعم ، ومراده لا أن يمتنع منها مطلقا ، قال شيخنا : من فعل هذا فجاهل ضال ، وفي الصحيحين من حديث أنس : { أنه بلغه هذا عن أناس فخطب وقال : من رغب عن سنتي فليس مني } ولأحمد ومسلم من حديث ابن مسعود : { أن رجلا قال : يا رسول الله ; إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنا ونعله حسنا ، فقال : إن الله جميل يحب الجمال } وعن عبد الله بن عمر مرفوعا : { كلوا ، واشربوا ، والبسوا ، وتصدقوا في غير إسراف ولا مخيلة } رواه البخاري وأحمد وزاد : { فإن الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده } وروى الترمذي هذه الزيادة وحسنها وقال : " أثر نعمته " .

                                                                                                          ولأحمد ، ثنا روح ، ثنا شعبة عن الفضيل بن فضالة ، ثنا أبو رجاء العطاردي ، قال : خرج علينا عمران بن حصين وعليه مطرفة من خز لم نرها عليه قبل ذلك ولا بعده ، فقال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { من أنعم الله عليه نعمة فليظهرها فإن الله يحب أن يرى أثر نعمته على خلقه قال روح مرة على عبده } إسناده جيد مع تفرد شعبة عن الفضيل ، وعن سهل بن معاذ الجهني عن أبيه مرفوعا : { من ترك أن يلبس صالح الثياب وهو يقدر عليه تواضعا لله دعاه الله على رءوس الخلائق حتى يخيره في حلل الإيمان أيتهن [ ص: 347 ] شاء } في إسناده ضعف ، رواه أحمد والترمذي وحسنه وقال صاحب النظم : ويكره مع طول الغناء لبسك الرديء ، فأطلق واقتصر على الكراهة وقال :

                                                                                                          ومن يرتضي دون اللباس تواضعا سيكسى الثياب العبقريات في غد

                                                                                                          ولا بد في ذلك أن يكون لله ، لا لعجب ، ولا شهرة ، ولا غيره ، قال جماعة : والتوسط في الأمور أولى ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه بحسب الحال لا يمتنعون من موجود ، ولا يتكلفون مفقودا ، فنسأل الله أن يهدينا طريقهم ، فأما الإسراف في المباح فالأشهر لا يحرم ، على ما يأتي ، في الحجر ، وتبرع المريض ، وحرمه شيخنا ، وقد سبق خبر عبد الله بن عمرو ، فأما شكر الله فمستحب ، ويأتي في الوليمة خلاف في الحمد لله على الطعام فيتوجه مثله في اللباس ، ثم إن وجب فعدمه لا يمنع الحل على ما يأتي في الأطعمة .

                                                                                                          وقال شيخنا بعد أن ذكر من امتنع من فعل المباحات كأكل ولبس ويظن أن هذا مستحب جاهل ، ضال ، فإن الله أمر بالأكل من الطيب ، والشكر له ، وهو العمل بطاعته بفعل المأمور ، وترك المحظور ، ومن أكل ولم يشكر كان معاقبا على ما تركه من فعل الواجبات ، ولم تحل له الطيبات ، فإن الله أحلها لمن يستعين بها على طاعته كما قال : { ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا } الآية ، ولهذا لا يجوز أن يعان الإنسان بالمباحات على المعاصي وقوله تعالى : { ثم لتسألن يومئذ عن النعيم } أي عن الشكر ، فطالب العبد بأداء شكر الله عليه ، فإن الله لا يعاقب إلا على ترك مأمور وفعل محظور .

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          ( مسألة 11 ) قوله : وكره أحمد الزيق العريض للرجل ، واختلفت الرواية فيه للمرأة ، انتهى ، أحدهما لا يكره ، قلت وهو الصواب ، وهو ظاهر كلام الناظم في آدابه فإنه لم يكره ذلك إلا للرجل .

                                                                                                          وقال في الآداب الكبرى قال المروذي سألت أبا عبد الله يخاط للنساء هذه الزيقات العراض ؟ فقال إن كان شيء [ ص: 345 ] عريض أكرهه ، هو محدث ، وإن كان شيء وسط لم نر به بأسا ، انتهى ، واقتصر عليه ، والرواية الثانية : يكره كالرجل .




                                                                                                          الخدمات العلمية