الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  وقال لنا الحميدي : كان عند ابن عيينة حدثنا وأخبرنا وأنبأنا وسمعت واحدا .

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  الحميدي - بضم الحاء - هو أبو بكر عبد الله بن الزبير القرشي الأسدي المكي أحد مشايخ البخاري ، وقد مر ذكره ، وتصدير الباب بقوله تنبيه على أنه اختار هذا القول في عدم الفرق بين هذه الألفاظ الأربعة - نقل هذا عن شيخه الحميدي ، والحميدي أيضا نقل ذلك عن شيخه سفيان بن عيينة ، وهو أيضا قد ذكر .

                                                                                                                                                                                  وفي بعض النسخ " وقال لنا الحميدي " ، وهي رواية كريمة والأصيلي ، وكذا ذكر أبو نعيم في المستخرج ، وليس في رواية كريمة " وأنبأنا " ، والكل في رواية أبي ذر .

                                                                                                                                                                                  ثم اعلم أن قوله " قال الحميدي " لا يدل جزما على أنه سمعه منه ، فيحتمل الواسطة ، وهو أحط مرتبة من حدثنا ونحوه سواء كان بزيادة لنا أو لم يكن ; لأنه يقال على سبيل المذاكرة بخلاف نحو حدثنا فإنه يقال على سبيل النقل والتحمل .

                                                                                                                                                                                  وقال جعفر بن حمدان النيسابوري : كل ما قال البخاري فيه قال لي فلان فهو عرض ومناولة . وقال القاضي عياض : لا خلاف أنه يجوز في السماع من لفظ الشيخ أن يقول السامع فيه حدثنا وأخبرنا وأنبأنا وسمعته يقول وقال لنا فلان وذكر لنا فلان . وإليه مال الطحاوي ، وصحح هذا المذهب ابن الحاجب ، ونقل هو وغيره عن الحاكم أنه مذهب الأئمة الأربعة ، وهو مذهب جماعة من المحدثين منهم الزهري ويحيى القطان .

                                                                                                                                                                                  وقيل : إنه قول معظم الحجازيين والكوفيين ، فلذلك اختاره البخاري بنقله عن الحميدي عن سفيان بن عيينة . وقال آخرون بالمنع في القراءة على الشيخ إلا مقيدا ، مثل حدثنا فلان قراءة عليه وأخبرنا قراءة عليه ، وهو مذهب المتكلمين .

                                                                                                                                                                                  وقال آخرون بالمنع في حدثنا وبالجواز في أخبرنا ، وهو مذهب الشافعي وأصحابه ومسلم بن الحجاج وجمهور أهل المشرق ، ونقل عن أكثر المحدثين منهم ابن جريج والأوزاعي والنسائي وابن وهب . وقيل : إن عبد الله بن وهب أول من أحدث هذا الفرق بمصر ، وصار هو الشائع الغالب على أهل الحديث . والأحسن أن يقال فيه : إنه اصطلاح منهم ، أرادوا به التمييز بين النوعين ، وخصصوا قراءة الشيخ بحدثنا لقوة إشعاره بالنطق والمشافهة .

                                                                                                                                                                                  وأحدث المتأخرون تفصيلا آخر ، وهو أنه متى سمع وحده من لفظ الشيخ أفرد فقال حدثني أو أخبرني أو سمعت ، ومتى سمع مع غيره جمع فقال حدثنا أو أخبرنا ، ومتى قرأ بنفسه على الشيخ أفرد فقال أخبرني ، وخصصوا الإنباء بالإجازة التي يشافه بها الشيخ من يخبره ، وكل هذا مستحسن وليس بواجب عندهم ; لأن هذا اصطلاح ولا منازعة فيه .

                                                                                                                                                                                  وقال بعضهم : التحديث والإخبار والإنباء سواء ، وهذا لا خلاف فيه عند أهل العلم بالنسبة إلى اللغة . قلت : لا نسلم ذلك ; لأن الحديث هو القول ، والخبر من الخبر - بضم الخاء وسكون الباء - وهو العلم بالشيء ، من خبرت الشيء أخبره خبرا وخبرة ، ومن أين خبرت هذا ؟ أي علمته . وإنما استواء هذه الألفاظ بالنسبة إلى الاصطلاح ، وكل ما جاء من لفظ الخبر وما يشتق منه في القرآن والحديث وغيرهما فمعناه الأصلي هو العلم ; فافهم !



                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية