الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  64 واحتج بعض أهل الحجاز في المناولة بحديث النبي صلى الله عليه وسلم حيث كتب لأمير السرية كتابا وقال : لا تقرأه حتى تبلغ مكان كذا وكذا ! فلما بلغ ذلك المكان قرأه على الناس وأخبرهم بأمر النبي صلى الله عليه وسلم .

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  المراد من بعض أهل الحجاز هو الحميدي شيخ البخاري ; فإنه احتج في المناولة - أي في صحة المناولة - بحديث النبي صلى الله عليه وسلم ، والكلام فيه على أنواع ; الأول : أن هذا الحديث لم يذكره البخاري في كتابه موصولا ، وله طريقان : أحدهما مرسل ذكره ابن إسحاق في المغازي عن زيد بن رومان ، وأبو اليمان في نسخته عن شعيب عن الزهري - كلاهما عن عروة بن الزبير . والآخر موصول ، أخرجه الطبراني من حديث البجلي بإسناد حسن ، وله شاهد من حديث ابن عباس رواه [ ص: 27 ] الطبراني في تفسيره .

                                                                                                                                                                                  الثاني : وجه الاستدلال به أنه جاز له الإخبار عن النبي صلى الله عليه وسلم بما فيه ، وإن كان النبي عليه السلام لم يقرأه ولا هو قرأ عليه ، فلولا أنه حجة لم يجب قبوله ، ففيه المناولة ومعنى الكتابة ، ويقال فيه نظر ; لأن الحجة إنما وجبت به لعدم توهم التبديل والتغيير فيه لعدالة الصحابة بخلاف من بعدهم - حكاه البيهقي ، قلت : شرط قيام الحجة بالكتابة أن يكون الكتاب مختوما وحامله مؤتمنا والمكتوب إليه يعرف الشيخ ، إلى غير ذلك من الشروط لتوهم التغيير .

                                                                                                                                                                                  الثالث : قوله " أهل الحجاز " هي بلاد سميت به ; لأنها حجزت بين نجد والغور . وقال الشافعي : هو مكة والمدينة ويمامة ومخاليفها - أي قراها كخيبر للمدينة والطائف لمكة شرفها الله تعالى .

                                                                                                                                                                                  قوله " أمير السرية " اسمه عبد الله بن جحش الأسدي ، أخو زينب أم المؤمنين . وقال الشيخ قطب الدين عبد الله بن جحش ابن رباب أخو أبي أحمد وزينب زوج النبي صلى الله عليه وسلم وأم حبيبة وحمنة ، أخوهم عبيد الله تنصر بأرض الحبشة ، وعبد الله وأبو أحمد كانا من المهاجرين الأولين ، وعبد الله يقال له المجدع ، شهد بدرا وقتل يوم أحد بعد أن قطع أنفه وأذنه . وقال محمد بن إسحاق : كانت هذه السرية أول سرية غنم فيها المسلمون ، وكانت في رجب من السنة الثانية قبل بدر الكبرى ، بعثه النبي صلى الله عليه وسلم ومعه ثمانية رهط من المهاجرين ، وكتب له كتابا وأمره أن لا ينظر حتى يسير يومين ثم ينظر فيه فيمضي لما أمر به ولا يستكره من أصحابه أحدا ، فلما سار يومين فتحه فإذا فيه " إذا نظرت في كتابي هذا فامض حتى تنزل نخلة بين مكة والطائف فترصد بها قريشا وتعلم لنا أخبارهم " ، وفيه : وقتلوا عمرو بن الحضرمي في أول يوم من رجب واستأسروا اثنين ، فأنكر عليهم النبي صلى الله عليه وسلم وقال : ما أمرتكم بقتال في الشهر الحرام ! وقالت قريش : قد استحل محمد الشهر الحرام ! فأنزل الله تعالى : يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير فهذه أول غنيمة وأول أسير وأول قتيل قتله المسلمون ، انتهى .

                                                                                                                                                                                  والسرية - بتشديد الياء آخر الحروف - قطعة من الجيش .




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية