الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                        صفحة جزء
                                                        4000 - واحتج محمد بن الحسن في ذلك على أبي حنيفة - رحمه الله - بما حدثنا ابن مرزوق قال : ثنا أبو عاصم ، عن ابن جريج قال : أخبرني محمد بن أبي بكر ، عن أبيه ، عن أبي البداح ، عن عاصم بن عدي أن النبي صلى الله عليه وسلم رخص للرعاء أن يتعاقبوا ، فكانوا يرمون غدوة يوم النحر ويدعون ليلة ويوما ، ثم يرمون من الغد .

                                                        ففي هذا الحديث أنهم كانوا يرمون غدوة يوم النحر ثم يدعون يوما وليلة ، ثم يرمون الغد .

                                                        فقد كانوا يرمون رمي اليوم الثاني في اليوم الثالث ، ولم يكن ذلك بموجب عليهم دما ولا بموجب أن حكم اليوم الثالث في الرمي لليوم الثاني خلاف حكم اليوم الرابع .

                                                        ففي ذلك دليل أن من ترك رمي جمرة العقبة في يوم النحر فذكرها في شيء من أيام التشريق أنه يرمي ولا شيء عليه .

                                                        ثم النظر في ذلك يشهد لهذا قول أيضا ، وذلك أنا رأينا أشياء تفعل في الحج الدهر كله وقت لها ؛ منها السعي بين الصفا والمروة ، وطواف الصدر ، ومنها أشياء تفعل في وقت خاص هو وقتها خاصة منها رمي الجمار . فكأنما الدهر وقت له من هذه الأشياء متى فعل فلا شيء على فاعله مع فعله إياه من دم ولا غيره .

                                                        وما كان منها له وقت خاص من الدهر إذا لم يفعل في وقته وجب على تاركه الدم .

                                                        فكان ما كان منها يفعل لبقاء وقته فلا شيء على فاعله غير فعله إياه ، وما كان منها لا يفعل لعدم وقته وجب مكانه الدم .

                                                        وكانت جمرة العقبة إذا رميت من غد يوم النحر قضاء عن رمي يوم النحر ، فقد رميت في يوم هو من وقتها ، ولولا ذلك لما أمر برميها كما لا يؤمر تاركها إلى بعد انقضاء أيام التشريق برميها بعد ذلك .

                                                        فلما كان اليوم الثاني من أيام النحر هو وقت لها ، وقد ذكرنا مما قد أجمعوا عليه أن ما فعل في وقته من أمور الحج فلا شيء على فاعله ، وكان كذلك هذا الرامي لها لما رماها في وقتها فلا شيء عليه .

                                                        فإن قال قائل : إنما أوجبنا عليه الدم بتركه رميها يوم النحر وفي الليلة التي بعده للإساءة التي كانت منه في ذلك .

                                                        قيل له : فقد رأينا تارك طواف الصدر حتى يرجع إلى أهله ، وتارك السعي بين الصفا والمروة حتى يرجع إلى أهله مسيئين ، وأنت تقول : إنهما إذا رجعا ففعلا ما كانا تركا من ذلك أن إساءتهما لا توجب عليهما دما ؛ لأنهما قد فعلا ما فعلا من ذلك في وقته .

                                                        فكذلك الرامي اليوم الثاني من أيام منى جمرة العقبة لما كان وجب عليه في يوم النحر راميا لها في وقتها فلا شيء عليه في ذلك غير رميها .

                                                        فهذا هو النظر في هذا الباب ، وهو قول أبي يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى .

                                                        التالي السابق


                                                        الخدمات العلمية