4164  - حدثنا  أبو بكرة  ، قال : ثنا  أبو داود  ، قال : ثنا  حرب بن شداد  ، عن  يحيى بن أبي كثير  ، فذكر بإسناده مثله . غير أنه قال : إن الله عز وجل حبس عن أهل مكة  الفيل . قال : ولا يلتقط ضالتها إلا لمنشد   . 
 [ ص: 262 ] فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه الآثار أن مكة  لم تحل لأحد كان قبله ، ولا تحل لأحد بعده ، وأنها إنما أحلت له ساعة من نهار ، ثم عادت حراما كما كانت إلى يوم القيامة . 
فدل ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم ، كان دخلها يوم دخلها . وهي له حلال ، فكان له بذلك دخولها بغير إحرام ، وهي بعد حرام ، فلا يدخلها أحد إلا بإحرام . 
فإن قال قائل : إن معنى ما أحل للنبي صلى الله عليه وسلم منها هو شهر السلاح فيها للقتال ، وسفك الدماء ، لا غير ذلك . 
قيل له : هذا محال ، إن كان الذي أبيح للنبي صلى الله عليه وسلم منها ، هو ما ذكرت خاصة ، إذ لم يقل : " ولا يحل لأحد بعدي " . 
وقد رأيناهم أجمعوا أن المشركين لو غلبوا على مكة  ، فمنعوا المسلمين منها ، حلال للمسلمين قتالهم ، وشهر السلاح بها وسفك الدماء ، وأن حكم من بعد النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك في إباحتها ، في حكم النبي صلى الله عليه وسلم . 
فدل ذلك أن المعنى الذي كان النبي صلى الله عليه وسلم خص به فيها ، وأحلت له من أجله ، ليس هو القتال . 
وإذا انتفى أن يكون هو القتال ، ثبت أنه الإحرام . 
ألا ترى إلى قول عمرو بن سعيد  لأبي شريح   : ( إن الحرم  لا يمنع سافك دم ، ولا مانع خربة ، ولا خالع طاعة ) ، جوابا لما حدثه به أبو شريح  عن النبي صلى الله عليه وسلم ، فلم ينكر ذلك عليه أبو شريح  ، ولم يقل له : ( إن النبي صلى الله عليه وسلم إنما أراد بما حدثتك عنه ، أن الحرم  قد يجير كل الناس ) ولكنه عرف ذلك ، فلم ينكره . 
وهذا  عبد الله بن عباس  رضي الله عنه ، فقد روى ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم قال من رأيه : ( لا يدخل أحد الحرم  إلا بإحرام ) ، وسنذكر ذلك في موضعه ، إن شاء الله تعالى . 
فدل قوله هذا أن ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما أحلت له ليس هو على إظهار السلاح بها ، وإنما هو على معنى آخر . 
لأنه لما انتفى هذا القول ، ولم يكن غيره وغير القول الآخر ، ثبت القول الآخر . 
ثم احتجنا بعد هذا إلى النظر في حكم من بعد المواقيت إلى مكة  ، هل لهم دخول الحرم بغير إحرام أم لا ؟ 
فرأينا الرجل إذا أراد دخول الحرم  ، لم يدخله إلا بإحرام ، وسواء أراد دخول الحرم  لإحرام ، أو لحاجة غير الإحرام . 
ورأينا من أراد دخول تلك المواضع التي بين المواقيت ، وبين الحرم  لحاجة ، أن له دخولها بغير إحرام . 
فثبت بذلك أن حكم هذه المواضع إذا كانت تدخل للحوائج بغير إحرام ، كحكم ما قبل المواقيت ، وأن أهلها لا يدخلون الحرم إلا كما يدخله من كان أهله وراء المواقيت إلى الآفاق . 
فهذا هو النظر عندي في هذا الباب ، وهو خلاف قول  أبي حنيفة  ،  وأبي يوسف   ومحمد  رحمهم الله تعالى . 
				
						
						
