[ مذاهب العلماء في الرواية بالإجازة    ] أحدها : المنع ، وبه قال  شعبة  ، وقال لو صحت الإجازة لبطلت الرحلة ،  وأبو زرعة الرازي  ، وقال : لو صحت لذهب العلم ،  وإبراهيم الحربي  ، وأبو الشيخ الأصفهاني . واختاره  القاضي الحسين  ، والماوردي  ، والروياني  منا ، وأبو طاهر الدباسي  من الحنفية ، وقال : من قال لغيره : أجزت لك أن تروي عني فكأنه قال : أجزت لك أن تكذب علي ، وكذا قال  ابن حزم  في كتاب " الإحكام " . وقال : إنها بدعة غير جائزة . وقال غيره : تقدير أجزت لك أبحت لك ما لا يجوز في الشرع ; لأن الشرع لا يبيح رواية ما لم يسمع . وحكى  ابن وهب  عن  مالك  قال : لا أرى هذا يجوز ، ولا يعجبني ، وحكاه الماوردي  ، والروياني  ، وابن السمعاني  عن  الشافعي  ، يعني ; لأن  [ ص: 330 ] الربيع  قال : هم  الشافعي  بالخروج من مصر  ، وكان قد فاتني من البيوع من كتاب  الشافعي  ثلاث ورقات ، فقلت له : أجزها لي . قال : فاقرأها علي كما قرئ علي ، وردد علي ذلك ، حتى أذن الله ، فجلس وقرئ عليه . وسمعناه بعد ذلك ، وتوفي عندنا ، وفي رواية  البيهقي  عن شيخه الحاكم  بزيادة ، يعني أنه كره الإجازة . 
قال  البيهقي    : كذا في الحكاية ، يعني أنه كره الإجازة . قال الحاكم    : فرضي الله عن  الإمام الشافعي  ، لقد كره المكروه عند أكثر أئمة هذا الشأن ، ثم عاب شيخنا رواية ما أجيز له بأخبرنا وحدثنا ، قال : وبمثله يذهب بهاء العلم والسماع والرحلة . الثاني : - وعليه جمهور السلف  والخلف - الصحة ، وحملوا كلام المانعين على الكرامة . قال  الخطيب    : وقد ثبت عن  مالك  الحكم بصحة الرواية بأحاديث الإجازة ، فدل على أن منعه إنما هو وجه الكراهة أن يجيز العلم لمن ليس أهله ، ولا خدمه ، ولا عانى التعب ، ولهذا قال    : إنما يريد أحدكم أن يقيم المقام اليسير ، ويحمل العلم الكثير . قال : وكذلك المنقول عن  الشافعي  كراهة الاتكال على الإجازة بدلا عن السماع ، وقد قال الكرابيسي    : لما كان قدمة  الشافعي  الثانية إلى بغداد  آتيته ، فقلت له : أتأذن لي أن أقرأ عليك الكتب ؟ قال : خذ كتب الزعفراني  فانسخها ، فقد أجزتها لك ، فأخذتها إجازة . قلت    : هذا من قوله في القديم ، والأول من قوله في الجديد ، فكيف يقضى للقديم على الجديد ؟ نعم ، المنقول عن الجديد ليس صريحا في المنع . فلا تعارض ، وقد روى الربيع  عن  الشافعي  الإجازة لمن بلغ سبع سنين . والثالث : يجوز بشرط أن يدفع إليه أصوله ، أو فروعا كتبت عنها ، وينظر فيها ، ويصححها ، حكاه  الخطيب  عن  أحمد بن صالح    .  [ ص: 331 ] والرابع : إن كان المجيز والمستجيز كلاهما يعلمان ما في الكتاب من الأحاديث جاز ، وإلا فلا ، وهو اختيار  أبي بكر الرازي  من الحنفية ، ونقلوه عن  مالك  فإنه شرط في المجيز أن يكون عالما بما يجيز ، وفي المجاز له أن يكون من أهل العلم ، فعلى هذا لا تجوز الإجازة بكل ما ثبت أنه من مسموع الشيخ ضرورة أنهما لا يعلمان جميع تلك الأحاديث . والخامس : لا تصح إلا بالمخاطبة ، فإن خاطبه بها صح ، وإلا فلا . حكاه أبو الحسين بن القطان  في كتابه " الأصول " . 
التفريع إن قلنا بالجواز فاختلفوا في مسائل    . إحداها : هل تجوز مطلقا أو بشرط ؟ فأطلق الأكثرون ، وسبق عن  مالك  اشتراط علم المجيز والمجاز له ، وعلى هذا قال  ابن عبد البر    : لا تجوز الإجازة إلا لماهر بالصناعة ، وفي شيء معين لا يشكل إسناده . وقسم إلكيا الطبري  الإجازة إلى قسمين    . أحدهما : أن يعلم المجاز له ما في الكتاب فله الرواية بها . والثاني : لا يعلم ، ولكن قال الشيخ : أجزت لك أن تروي عني ، فلا تحل الرواية ، إذا كان الكتاب يحتمل الزيادة والنقصان . قال : وإن لم يحتملهما فالمحتمل أن يقال : لا يجوز ; لأنه لم يسمع ، ولم يعلم وإذا كان لا تحل الرواية له إذا سمع ولم يعلم ، فهذا أولى . 
ويحتمل أن يقال : إنه يروي عنه ما صح عنده من مسموعاته توسعة للأمر ، ودفعا  [ ص: 332 ] للحرج على تقدير أنه أخبره بما في الكتاب إخبارا إجماليا ، كما إذا أرسل إليه كتابا مشتملا على عدة مهمات . انتهى . وقال أبو زيد الدبوسي    : لا تحل الرواية بالإجازة حتى يعلم المجاز له ما في الكتاب ، ثم يقول للراوي : أتعلم ما فيه ؟ فيقول : نعم ، ثم يجيز له أن يرويه . قلت    : وعلى هذا فلا تصح الإجازة ، إلا لمن يصح سماعه ، وحكاه  الخطيب  عن بعضهم ، وأنه منع صحة الإجازة للطفل . قال : وسألت  القاضي أبا الطيب الطبري  ، هل يعتبر في صحتها سنه أو تمييزه كما يعتبر ذلك في صحة سماعه ؟ فقال لا يعتبر ذلك . الثانية : أنها دون السماع على الصحيح ، وقال الغزالي  في " المنخول " : المختار أنه كالسماع ; لأن الثقة هي المطلوبة ، وهو غريب . الثالثة : أنه يقول فيها : حدثني ، وأخبرني ، وذكر المازري  عن ابن خويز منداد    : إنا إذا قلنا بالجواز أطلق ذلك ، وإن قلنا بالكراهة لم يقل إلا : أجازني ، أو حدثني ، أو أخبرني إجازة . وقال ابن دقيق العيد  في " شرح العنوان " : الحق في ذلك أن يعتبر لفظ الرواية بالإجازة ، وينظر مطابقته لنفس الأمر بحسب مقتضى الوضع . فإن كان الوضع لا يمنعه جاز ، وإلا فلا ، فقوله : حدثنا بعيد جدا ، ويليه قوله : أخبرنا ، وأجود العبارات في الإجازة أن يقال : أجاز لنا فلان ، أو كتب إلينا ، إن كان كتابة ; لأنه إخبار صحيح . ا هـ . وقال أبو الحسين بن القطان  في الإجازة : يحكيه على ما قاله الشيخ  ، ولا يجوز أن يقول : حدثنا ، أو أخبرنا . قال : وذهب إلى هذا  أبو بكر  ا هـ .  [ ص: 333 ] وقال المازري    : هل يقول : حدثني ، وأخبرني مطلقا ؟ منهم من أجازه ، ومنهم من منعه ، حتى يقيده بالإجازة ، واختار إمام الحرمين  أن الأولى التصريح به ، وإن صدقه فلا لبس فيه ، وحكاه عنه ابن القشيري  وأقره . 
				
						
						
